تعديل

عمل ارشيف لجميع المقالات لجميع الفروع العلميه والرياضيه والطبيعيه والزراعيه التى توفر العناء للباحث عنها Action archive of all articles for all branches of scientific and mathematical nature and agricultural researcher provides the fuss about

الخميس، 22 مايو 2014

محمد على باشا



محمد علي باشا



تمهيد:

تعد الفترة منذ رحيل الحملة الفرنسية عام 1801م وحتي وفاة محمد علي باشا في فترة من أهم الفترات في حياة ةمصر الحديثة حيث تم التخلص من قوى وظهور قولى أخرى حاكمة وشهدت بناء نهضة عظيمة وإن كانت متعلقة بحكم شخص وسوف نتحدث عن ذلك بالتفصيل في الآتي:



الفصل الاول

"تدرج محمد علي حتي وصولة لهدفه"
محمد على مؤسس الدوله الحديث
ولد محمد على في بلده صغيره على بحر إيجه في مقدونيا تسمى قوله عام 1769م, وهو نفس العام الذي ولد فيه نابليون بونابرت ومن نفس البلد التى ولد فيها الاسكندر الاكبر, ويرجع اصل محمد على الى الجزء الالبانى من مقدونيا فهو البانى ومن هنا يعتبر من رعايه الامبراطور العثمانيه.
عمل والده إبراهيم أغا في تجاره التبغ وهي الزراعه الاساسيه في هذا الافليم كما كان يستأجر سفناً. وتوفي والده مبكراً وكفله عمه. كانت حياه محمد على في شبابه مضطربه وعاصفه مما اكسبه روحاً قتاليه كما كان زعيم عصابه من الشبان المتملمين مما سبب قلقاً لعمه, وقد سارع عمه بزواجه وهو في سن التاسعه عشره من امينه فؤاد طوغاى, وهي ارمله شابه وابنه عم حاكم الاقليم والتى كانت سبباً في تحسين وضعه الاجتماعي والمادى, انجب منها ثلاثه اولاد: ابراهيم وطوسون واسماعيل وتمكن بمساعده زوجته وثروتها من القيام بتجاره وتصدير التبغ حيث ادار هذه العمليه بكفاءه واقتدار. وعاش طوال حياته يدير الامور بدقه ومهاره سواء تلك المتعلقه بأموره الشخصيه او مايخص شؤن الدوله.
سئم محمد على من معيشته في "قوله" وكان يقضي وقته يتأمل البحر وينظر بحسره الى السفن الغارقه والمغادره ويتطلع الى تحقيق احلامه الكبيره, ومن حسن حظه ان تقابل مع بعض التجار الاجانب في الميناء وتعرف على احد التجار القادمين من مرسيليا حيث كان كثيرا على قوله ونشأت صداقه بينهما حيث كان الشاب الالبانى متعطشاً للمعرفه, والتاجر الفرنسي ليون لديه خبره التى تمكنه من مناقشه بعض المشاكل العالميه في ذلك الوقت سياسيه واقتصاديه, وبمجرد تولى محمد على السلطه سارع بأستدعاء صديقه الفرنسى الى مصر لكنه توفي قبل ان يصعد الى المركب متجهاً الى مصر.
كان ابن عم محمد على حاكماً للاقليم ويكن شعوراً طيباً تجاه محمد على ويتفهم رغبته في السفر الى الخارج, واقتراح عليه ان يتولى قياده إحدى السفن الحربيه لمطارده القرصان في بحر "إيجه" فقبل هذه المهمه بحماسه شديده. ويبدو ان حياته كانت هادئه ومتواضعه الى ان هيأ له القدر امرأ اخر ففي عام 1800م طلب السلطان العثمانى من الحاكم ان يجمع من منطقه قوله كتيبه قوامها 300 رجل لتنضم للجيش التركى لمحاربه القوات الفرنسيه في مصر. وقد أذعن الحاكم لطلب ابنه بتعيين شاب هادئ الطباع يكون معه لما يميز به ديناميكيه وطموح, وهذا الشاب هو محمد على.
انضم الالبان الى فيلق قوامه سته الاف رجل بقياده قبطان باشا نفسه وكوتشوك حسين شقيق السلطان سليم في الرضاعه, تولى كوتشوك قياده الاسطول إضافه الى كونه رجل دوله من الطراز الاول.
نزول الفيلق في ميناء ابى قير يوم 8/مارس/1801م. وطوال الرحله البحريه اصيب ابن الحاكم بدوار البحر وعانى كثيراً مكن المتاعب, كما المعارك الاولى قد ثبطت من همته فقرر العوده الى بلده وشجعه محمد على بحراره على اتخاذ قراره هذا حتى يأخذ مكانه, وبسرعه فائقه ثم ترقيه محمد على الى رتبه كولونيل ثم جنرال, واندفعت عجله التقدم الى الامام ولم تعد تتوقف بفضل كفاءه ونبوغه وعبقريته وحسن استعلال الاحداث لصالحه حتى وصل الى أعلى المناصب, ويرجع الفضل لاول ترقيه حصل عليها الى تواجد الحمله الفرنسيه بمصر التى اتاحت له فرصه إظهار مواهبه العسكريه.
كان عمره اثنين وعشرين عاماً وصل الى مصر وهو رجل قصير القامه ذو ملامح دقيقه وصارمه قوى البنيه وجاذ خاصه نظراته ذات التأثير المبهر بعينيه الرماديتين, كما يتميز بمسلك واضح ونظيف وعلى جانب كبير من الطهاره والنظافه وهو ماكان نادرأ في تلك الايام في الشرق حيث يأخذ حماماً يومياً.
كان ملبسه يتميز بالبساطه وهو عباره عن البدله التقليديه العثمانيه وعباءه مبطنه بالفرو وروب وبنطلون منفتخ مع عمامه يرتديها بصوره دائمه.
حصل محمد على على تدريب عسكرى بدائي ورقي الى ضابط بعد ان كان من ضابط الصف.
وعندما كان في السابعه والاربعين من عمره قرر ان يتعلم القراءه لكنه لم يعرف الكتابه بتاتاً ولم يكن يتحدث اى لغه اجنبيه بل لم يكن يعرف العربيه, وكانت لديه موهبه الذاكره القويه وغريزته الفطريه التى تمكنه من معرفه الناس وتقدير المواقف السياسيه.
هذا فضلا عن تمتعه بموهبه طبيعيه وخيال نادر ونظره عميقه لافاق المستقبل تجعله يدرك الاهداف البعيده ويعمل على تنفيذها وفق إمكاناته, ومع ذلك فإن حسن إدراكه للامور تجعله يتوقف عن التمادى في الاندفاع ويسير حسب مخطط إجمالى يتسم بالفطنه والحذر.

المبحث الاول"-
طبـــــاع محمد علي:-
لم يكن محمد على مغامر أرغم توفر روح المغامره لديه لان قراراته دائماً نتيجه لتفكير ناضج ولا تنفذ الا بعد مناقشتها لانه من مكر ودهاء وأخرون بالاسد لنشاطه وقوته وروحه العدوانيه.
وبفضل روح النؤامره والدسيسه فقد تمكن من المناوره بمهاره داخل جهاز الحكومه المعقده للامبراطوريه العثمانيه, وعندما تقدم به العمر, كان يفضل ان يكون محاطاً بشخصيات مثقفه كما كان يستقبل بترحاب العديد من الاوروبيين القادمين لزياره القاهره او الاسكندريه ويحسن وفادتهم ويتمتع بالحديث معه في شؤن بلادهم السياسيه والانظمه الاقتصاديه لديهم. وقد استفاد كثيراً من تلك المحادثات.
( )هكذا دخل إلى المسرح المصري ذلك الرجل الذي قدر له أن ينجح فيما فشل فيه نابليون، فعن طريق سلسلة الإنجازات الصارمة والحاسمة تمكن هذا الجندي الألباني غير النظامي من أن يفرض نفسه سيدا على البلاد، وأن يكون المؤسس لمصر القرن التاسع عشر بكل النوايا والأهداف. فبينما تفاخر الإمبراطور أغسطس أنه تسلم روما مدينة من الطوب وتركها مبنية من الرخام، كان في مقدور محمد على أن يقول أنه وجد مصر في حالة من لفوضى وتركها بلدا مستقرا. لقد كان دكتاتور من الطراز الشرقي القديم امتد نفوذه بعيدا خارج حدود الدلتا. فقد ضم الأماكن المقدسة في بلاد العرب، ونشر الذعر في السودان، وأحدث الخراب ببلاد اليونان، ومد سلطانه إلى حدود تركيا ذاتها، حتى أنه في ذروة انتصاراه كان ملكا بكل صفاته لا ينقصه سوى اللقب، ويمتلك غمبراطور توازي امتدادها إمبراطورية البطالمة. فقبل ظهور لينين وماو بقرن كامل، حول محمد لى مصر إلى الدولة المزرعة الواحدة Single state farm جاعلا من نفسه اكبر ملاك الأراضي واتاجر الأوحد. وعلى طول خمسة عقود من الزمان غطت سيرته أحداث الشرق الأوسط. خالقا ما اصطلح على تسميته بالمسألة المصرية التي سببت خلقا لحكومات أوروبا.
ولكن بطريقة غريبة شاء القدر أن يمكن ها الصبي المتنمر الذي جاء من مقدونيا ليؤسس أسرة حاكمة استمرت تتوارث العرش حتى عام 1952، كما آل على نفسه بالرغم من نفوذه ومهاراته الدبلوماسية ألا يأخذ الخطوة الأخيرة بإعلان استقلال مصر الكامل، إذ ظل حتى النهاية حاكما تابعا لمولاه التركي، وبضعه العربة أمام الحصان، حول محمد علي مصر إلى إمبراطورية قبل أن يحعلها أمة فعلا.
وكما اعتاد أن يروي لزواره أنه ولد ف نفس العام الذي ولد فيه نابليون (عام 1769) وفي نفس المكان الذي ولد في الإسكندر وهو ميناء كافالا الصغير Cavalla في مقدونيا لكننا لا نعرف سولا القليل عن أصوله، لكن يتضح أنه عانى مرارة اليتم منذ نعومة أظفاره، وتولى رعايته عمدة المدينة، الذي زوجه وهو في سن الثامنة عشرة من إحدى قريباتة الثريات. وبعد أن أثبت جدارته كعامل ضرائب ومكوس، وأظهر كفاءة أكبر كتاجر تبغ، شعر أنه قد ضاق ذرعا بالبقاء في كافالا، فتقدم للتطوع كضابط في الكتيبة التى أرسلتها تركيا للإنضمام إلى البريطانيين لطرد الفرنسيين خارج مصر وعندما غادر الإنجليز والفرنسيون مصر عام 1802 بعد توقيع اتفاق أميان Amiens استمر محمد علي في خدمة الباشا الذي عينته تركيا لحكم البلاد.
المبحث الثاني:-
" كيفية انفراد محمد علي بالحكم "
كانت لا تزال سلطه محمد على بعد يوليه سنه 1805 مزعزعه الاركان: لان الصعوبات اختياره والياً كان بالرغم من الباب العالى, فكان اولياء الامور في القسطنطينيه يتحيون اول فرصه للتخلص منه, فإنه وإن كان أدار الشؤون المصريه بالضبط والمهاره, وقام بها خير قيام, لا يبعد ان يجهر يوماً بالعصيان في وجه الباب العالى كما فعل من قبل. هذا الى ان ماحاق بالمماليك من المصائب في وجه الباب العالى كما فعل من قبل.
هذا الى ان ماحاق بالمماليك من المصائب والنكبات المتتابعه جعلهم يتحدون معاً على محمد على عدوهم العنيد. ثم دهمه أمر لم يكن في الحسبان وهو ورود حمله انجليزيه لغزو مصر. والسبب فيها يرجع الى تحالف فرنسا مع الترك بعد توليته بعام ونصف, وكانت فرنسا إذ ذاك في حرب عوان مع انجلترا, فأرسلت الاخيره حمله لتغزو البلاد المصريه بإتفاق مع حليفتها الروسيا مؤمله ان ترجع البلاد المصريه الى حكم المماليك على الاقل وتقضى على أمال الترك فيها (وارسلت ايضاً اسطولها ليقتحم الدردنيل). فساعد الحظ محمد على باشا وتخلص من كل هذه الاخطار التى كانت تحدق به, الواحد بعد الاخر: فأرضى الباب العالى, وقضى على المماليك وسلطتهم, وتغلب بمعونه الاهالى وحاميه رشيد على الحمله الانجليزيه.
ثم اراد محمد على ان يجمع مالاً لإعطاء الجند مرتبهم مخافه ان يعزل كسابقيه, واراد ايضاً ان يجزل العطايا الى أمير البحر التركي (وكان راسياً بأسطول في مياه الاسكندريه, يحمل الاوامر بمساعده المماليك على محمد على).
ولما رأى انه من المحال ان يضرب الضرائب على الفلاحين, ولا سيما ان جميع الاراضي كانت لا تزال في قبضه المماليك, جمع بعض المال من أقباط مدينه القاهره, ووجد بفحص دفاتر الحساب ان الجباه منهم اختلسوا ما لا يقل عن4800كيساً, فأجبرهم على دفعها, وبذلك أجزل العطايا الى أمير البحر التركي وأرجعه من حيث أتى.
وكان ذلك في اكتوبر سنه1805 ولم يمر على هذا الحادث الا زمن يسير حتى عاد أمير البحر التركي نفسه يصحبه "موسى باسا" والى سلونيك ليكون واليا على مصر, ولينتقل محمد على معه ليتولى منصب موسى باشا.
فتظاهر محمد على بإظهار الطاعه لأوامر الباب العالي, ثم ادعى انه يتعذر عليه ان يغادر مصر تواً, لان الجنود ابوا عليه النقله, ولا حيله له في دفعهم, فإن فئه كبيره من الضباط عاهدوا انفسهم واغلظوا الايمان والمواثيق الا يخضوا لاحد غيره, وان يعاضدوه ويأخذوا بناصره ولو على السلطان.
وقد تظلم العلماء والاشراف لدى الباب العالى والتمسوا إبقاء محمد على ومن حسن حظه ان نشبت في هذه الفتره حرب بين الروس والترك, فاضطر الترك بطبيعه الحال الى استدعاء اسطولهم الى المياه التركيه, فأبحر الاسطول بعد ان أجزل محمد على العطاء لأمير البحر وموسى باشا معاً.
وأخيرا وصل الى مصر في 24شعبان سنه1221هـ (نوفمبر1806م) عهد بتأييد محمد على في منصب والى مصر.
المبحث الثالث:
"القضاء على المماليك"
لما وثق الباب العالى من محمد على اراد ان يستخدمه في اصلاح شؤون الدوله, فأول أمر كله إياه اخضاع طائفه الوهابيين الذين كانوا يتدخلون في امر الحج واحتلوا الحرمين الشريفين وسلبوهما.
ولهذه الطائفه مذهب خاص سنتناول الكلام عليه فيما بعد. فجاءت الاوامر الى محمد على بإخضاع هؤلاء القوم, فاضطر ان يعد جيشاً أعظم عدداً واكثر تدرباً من الجيش الذي عنده وأن يكون له أسطول النقل الجنود في البحر الاحمر, فوجد ان لا مندوحه من زياده الضرائب الى درجه اقصت عنه كل من كان ملتفا حوله.
ولقد كان مركزه اذ ذاك غايه في الخطر, فرأى ان لا يتحرك بجيشه الى محاربه الوهابيين قبل ان يقضى على البقيه الباقيه من المماليك, وخاصه بعد ان ظهر له انهم جميعاً مزمعون على قتله. وكان قد رأى أولا اني تفق معهم, وأرسل لهذا الغرض حسن باشا الاناء وطى يبلغهم انه يعطيهم كل ضياعهم, فأبو ذلك ففكر في قهرهم بحد السيف, فحاربهم في موقعه عند اسيوط انهزه فيها جيشه. الا ان المماليك انتكث فتلهم وتفرقوا ثانيه في طول البلاد وعرضها, فيأواخر رجب سنه1225هـ (اغسطس سنه1810م), ولم تمض مده يسيره حتى خدع شاهين بك (رئيس المماليك بعد موت الالفي) واحتال لذلك محمد على بمنحه كل الاراضي التى على ضفه النيل اليسرى من الجيزه الى بنى سويف وفيها الفيوم.
فخضع كل المماليم اقتداء به, ووقعوا على شروط الصلح في سلخ عام 1810, ورجعوا الى القاهره واتخذوا مساكنهم في قصورهم كما كانوا من قبل.
وكان شغل محمد على الشاغل في هذه الاثناء تخليص الحرمين الشريفين من ايدى الوهابيين. الا انه لم يجرؤ على تسيير جندى واحد الى بلاد العرب مادامت المماليك تهدد ولايته وتناصبه العداء.
وكان على يقين من وثوبهم به في أول فرصه تتغيب فيها الاتراك عن البلاد, وقد تمثل له جلياً مبلغ تحفزهم لقتله غيله عندما وافته الاخبار وهو في مدينه السويس مهتماً بشؤون الحمله الى بلاد العرب من "محمد بك لاظ الكخيه" يحذره من المماليك, وكانوا يريدون اغتياله وهو راجع الى القاهره.
فأخذ الحيطه, وبدلاً من مكثه في السويس الى اليوم الذي ضر به لرجوعه تركها في غلس الظلام على ظهر نجيب سريع العدو غير معلن احداً وجهته, ووصل القاهره في فجر اليوم الثانى يصحبه أربعه من الخدم. فهذه المؤامره وغيرها جعلته يفكر في القضاء عليهم بإيهوسيله قبل ان يسبقوه الى ذلك.
وفي شهر صفر سنه 1226هـ (فبراير سنه 1811م) جمع محمد على جيشاً مؤلفاً من 4000 جندى في القاهره تحت قياده "طوسون باشا" ثانى اولاده, لغزو بلاد العرب وإخضاع الوهابيين.
ورأى انه لابد قبل مسير الحمله من الديار من الاحتفال بها وتسليم وسام الشرف السلطانى له. فدعا في اليوم المضروب جميع ضباط الجيش والاعيان وعدداً عظيما من الجند. ثم دعا جميع المماليك ورؤوسائهم, وأعد لهم وليمه فأختبر تذكاراً لهذا اليوم المشهود, فأجمع في القلعه في يوم الجمعه خامس صفر
(أول مارس), وكان عدد من حضر من المماليك يقرب من الخمسمائه.
وكان الغرض الحقيقي من دعوه المماليك التخلص من شرهم ودسائسهم. فأسرمحمد على بذلك الى "حسن باشا" و"صالح قوج" الارناءوطيين فقط. وفي صحبيه هذا اليوم أسر به الى "ابراهيم اغا" (حارس الباب). فنظم الموكب في القلعه على الترتيب الاتي:-
ابتدأ الموكب بعساكره الدلاه, ثم تبعهم العساكر الانكشاريه, ثم الجنود الالبانيه بقياده صالح قوج, وتلاهم المماليك. ففرقه من الجنود النظاميه فلما سار الموكب وانفضل الدلاه ومن خلفهم من الانكشاريه عند باب العزب, امر صالح قوج بإغلاق الباب واشار الى طائفه بالمقصود. فأعملوا السيف في رقاب المماليك. وقد انحصروا جميعهم في المضيق المنحدر . وهو الحجر والاسور فلما بدئ بالضرب من اسفل اراد المماليك التقهقر, فلم يستطيعوا الى ذلك سبيلا. وقد اعمل جنود محمد على فيهم السيف قتلا وفتكاً حتى فنى كل من كان منهم في القلعه.

"اضطراب القاهره"
ولما قتل شاهين بك كبير المماليك, وعلم الناس بهذا الخبر, اغلقوا الحوانين. وصار العساكر بعد ذلك تنهب وتسلب في جميع انحاء العاصمه بدعوه البحث عمن هرب من المماليك للفتك بهم.
ولما علم محمد على بما ارتكبه الجنود من السلب والنهب ركب جواده ونزل بشخصه يمنع العسكر من ارتكاب هذه الجرائم. وقد وجل محمد على حذا حذوه ابنه طوسون باشا في إيقاف الجنود عند حدها. ويقال ان محمد على كان في شده الوجل خوفاً من خيبه تدبيره. وكان قد اعد الخيل للهرب اذا لم يفلح.
وفي أثناء حدوث هذه الحوداث في القاهره اصدر في الوقت نفسه اوامره لكل حكام المديريات يزيد على الالف.
وهكذا انقرضت هذه الطائفه التى عاثت في الارض فساداً اكثر من سته قرون اذاقت في خلالها المصريين كل صنوف الذل والعذاب.


المبحث الرابع
"القضاء على الزعامه الشعبيه"
ادرك محمد على من الحوادث السابقه قوه الزعامه الشعبيه ممثله في السيد عمر مكرم ودورها في توليته الحكم, والقيود التى فرضتها عليه عند قبوله الولايه, كما سبقت الاشاره. كما بدأ يتوجس من زياده مكانه عمر مكرم في نفوس الناس نظراً لدوره الواضح في رسم خطوط مقاومه حمله فريزر.
وقد رأى محمد على ضروره ان ينفرد بالحكم دون وصايه شعبيه. واخذ يترقب الوقت المناسب للتخلص من السيد عمر مكرم, وقد ساعده في بلوغ اهدافه انقسام القيادات الشعبيه فيما بينها حول تقدير عمر مكرم نفسه, ومكانته التى يتمع بها بين الناس, حيث اخذ منافسوه يدسون له عند محمد على, وانتهز محمد على الفرصه ليزيد من انقسام الزعامات التى كانت تختلف حول بعض المصالح الماديه, ومن ذلك المسافه بين الشيخ عبد الله الشرقاوى والشيخ محمد الامير حول نظاره اوقاف الازهر وماتدره من فوائد.
ثم وقعت الازمه فنتيجه لانخفاض فيضان النيل(اغسطس1808م) ساءت الاحوال وارتفعت الاسعار, وزادت الحكومه لاضرائب.
فأحتج الناس لدى العلماء, وطالب العلماء بدورهم محمد على بتخفيف الازمه عن طريق عدم تحصيل الضراب المقرره.
فنهرهم محمد على لانهم لو يفعلوا مع الناس مثلما فعل هو معهم. اى العلماء وكان محمد على بشير بذلك الى انه اعفى العلماء الملتزمين من دفع ضرائب الفائض من التزامهم فوضعهم بذلك في مأزف مع الناس.
وانتهز محمد على فرصه الازمه الاقتصاديه ليتخذ بعض القرارات فيما يتعلق بالضرائب والملكيه تحقق له اغراض السيطره والانفراد بالحكم. وهكذا وفي سبيل مواجهه ازماه نقصان مياه فيضان1808م قرر محمد على ان يلجأ لبعض الاجراءات الشديده مثل:-
1.فرض ضريبه المال الميري على الاراضى الموقوفه واطيان الاوسيه (الخاصه بالملتزمين) وكانت كلها معفاه من الضرائب.
2.الاستيلاء على الاطيان التى لا يثبت اصحابها حجج ملكيتها.
3.إلزام الملتزمين بتقديم نصف الفائض من الالتزام ونصف الصافي من ايراد الاطيان.
4. فرض ضريبه تمغه على المنسوجات والاوانى والمصوغات.
وكان لابد من موافقه السيد عمر مكرم على هذه الاجراءات طبقاً لشروط التوليه. لكن عمر مكرم رفض التباحث مع محمد على, وانتهزت العناصر المنافسه لعمر مكرم الفرصه. واخذت توغر صدر محمد على ضده, وتفهمه ان همر مكرم مجرد فرد عادي يستمد قوته من زملائه, فأقدم محمد على على خلعه من نقابه الاشراف وارساله الى دمياط (1809م) وتوليه محمد السادات مكانه وكان ضالعاً في المؤامره واصبح السادات اداه طيه في يد محمد على.

الفصل الثاني

التعــــــــلـــيم

التعليم ودوره في بناء الدوله الحديثه:-
ارتبط التعليم في عهد محمد على الى حد كبير بأهداف سياسه الاحتكار الاقتصادى وبناه القوه الذاتيه, والتوسع الخارجي والحروب التى دخلها محمد على سواء بنفسه ام بإيعاز من السلطان العثمانى وبتنسيق معه.
اهتم محمد على بالتعليم على اختلاف درجاته من عال وثانوى وابتدائي, ولكنه بدأ اولا بمسئوليه التعليم في المراحل الدراسيه الادنى.
اما البعثات التى ارسلها محمد على وكذلك المدارس التى اسسها. فقد كانت ترتبط بالتنميه الانتاجيه وخدمه المجهودات الحربيه اساساً.
المبحث الاول:
المدارس:-
خلال المده من (1816م-1839م) اقام محمد على المدارس التى تخدم اهادف التنميه الاقتصاديه والعسكريه مثل مدرسه المهندسخانه والطب والولاده والصيدله, ومدارس لتعليم اصول المحاسبه والفون والصنايع والزراعه والبيطره.
وكان يلحق بهذه المدارس تلاميذ الازهر والكتاتيب في البدايه من الذين حصلوا على قسط معقول من التعليم, ثم اصبحت المدارس عامه ومدينه الطابع وقد اوجد هذا النوع من التعليم ثقافه مدنيه تختلف عن الثقافه الدينيه التى كانت طابع التعليم الدينى والسائد انذاك.
ومن هنا كانت الازدواجيه التى بدأت جذورها ايام الحمله الفرنسيه كما سبقت الاشاره.
ولما تعددت المدارس واتسع نطاقها انشأ محمد على إداره خاصه لها سميه ديوان المدارس (1837م) فكانتاول وزاره تعليم.
على ان ضرب محمد على سياسياً والقضاء على نظام الاحتكار اقتصادياً كانت له اثاره السلبيه على مسار النهضه التعليميه التى تمت في عهد محمد على
فقد اساء حال المدارس واغلق بعضها وتقلصت البعثات لاوربا (عهد عباس).
والغى ديوان المدارس وتوقفت البعثات تقريباً وبدأ تشجيع الاجانب من اوروبا والولايات المتحده على إنشاء مدارس خاصه بهم (مدارس للتبشير), وذلك تمشياً مع الاستثمارات الاجنبيه في المجال الاقتصادي فأسهمت هذه المدارس التى تلحق بها ابناء المصريين في تعميق ازدواجيه الفكر والثقافه.
المبحث الثاني
البعثات:-
وخلال المده من عامى (_1813م-1847م) اوفد محمد على بعثات لايطاليا وفرنسا وانجلترا للتعليم ولاكتساب الخبرات الازمه.
ولهذها كانت البعثات في اول الامر لدراسه الفنون العسكريه وبناء السفن والملاحه وتعلم الهندسه والميكانيكا واصول الرى والصرف, ثم فيما بعد اوفدت بعثات لدراسه القانون والسياسه من طلاب الازهر الى النمسا وانجلترا.
وكان رفاعه رافع الطهطاوى الذي توفده محمد على إماماًُ لطلاب اول بعثه كبيره الى فرنسا(1826م). قد افاد كثيراً من الثقافه الانسانيه في فرنسا حيث ساعدته الظروف بعد ان تعلم الفرنسيه على التعرف على الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي في فرنسا ومن هنا ادرك قيمه الاطلاع على علوم ومعارف المجتمعات الاوربيه والترجمه وكام لتلك المدرسه الفضل الكبير في نقل كثير من معارف الغرب الى مصر.
والجدير بالذكر ان فكره بعثات للدول الاوربيه لم تكن مسبوقه ايام محمد على حتى ان الدوله العثمانيه نفسها لم تفكر في ارسال بعثه تعليميه لاوربا.

الفصل الثالث
الاحتـــــــــــــــــــــــــــــــــكار

الاحتكــــار:-
نظم محمد على الاقتصاد المصري في الزراعه والصناعه والتجاره على قاعده الاحتكار يعنى ان تقوم الحكومه ممثله في محمد على بتحديد نوع الغلات التى تزرع ونوع المنوعات التى تنتج, وتحديد اثمان شرائها من المنتجين . واثمان بيعها فس السوق وبهذا الاسلوب يضمن محمد على الدخول في سوق التجاره الدوليه منافساً لغيره من الدول, وبمعنى اخر فالاحتكار نوع من التوجيه الاقتصادى تحت اشراف الدوله ولنتعرف الان على نظان الاحتكار في المجالات الاقتصاديه المختلفه:-
المبحث الاول
1.الزراعه:-
عند توليه حكم مصر كانت الزراعه قد قطعت شوطاً في التدهور نتيجه العواما الاتيه:-
أ- نظام ملكيه الارض والانتفاع كما سبقت الاشاره والذي لم يكن يسمح بتنميه زراعيه حقيقيه.
ب- تراخى الفلاحين وهم الطبقه المنتجه في اداه العمل الزراعي لانهم لم يكونوا يحصلون إلا على الحد الادنى من حاجات المعيشه.
ج- تعدد الضرائب المفروضه على الفلاحين وعدم عدالتها وتركها في ايدى الملتزمين مما اساء الى الفلاح.
د- إهمال الرى نع أهميه تنظيم استخدام مياه النيل نظراً لطوله, الامر الذب تحولت بسببه كثير من الاراضي الى صحراوات, وتضاءلت الارض ولم تتنوع غلاتها.
وخلال سته اعوام (1808م-1814م) قام محمد على بسلسله من الاجراءات انتهت الى تغير اوضاع الملكيه والحيازه الزراعيه, وذلك بإلغاء نظام الالتزام حين صادر اراضي الملتزمين, وخاصه بعد التخلص من المماليك نهائياً في 1811م وتم تسجيلها بأسم الدوله.
كما ضبطت اراضي الاوقاف لصالح الدوله, وكذلك المساحات التى عجز اصحابها عن إثبات حيازتهم لها.
بعد ذلك اعاد محمد على توزيع مساحات الارض على الفلاحين. بحيث خص كل اسره ما بين3:5 افدنه حسب قدره كل منها, وذلك للانتفاع بها بشرط دفع ماتقرره الحكومه من ضرائب واموال, ولا تنزع الارض من المنتفع الا اذا عجز عن دفع ما عليها من اموال.
وقد نتج عن سياسه محمد على في مجال ملكيه الارض بعد إلغاء الالتزام ثلاثه انواع من الملكيه الزراعيه, كبيره ومتوسطه وصغيره الحجم وهي:-
الملكيه الكبيره:- وتعرف بأرض الابعاديه والجفالك وهي اراض واسعه انعم محمد على على افراد اسرته وكبار رجال الحاشسيه وكبار الموظفين وبعد اجراء عمليه المسح, زقد حصل اصحاب هذه المساحات من الارض بعد إجراء عمليه المسح وقد حصل اصحاب هذه الاراضي على حق توريثها لاولادهم فيما بعد (1842م).
الملكيه المتوسطه:- وتتكون من نوعين من الاراضي:-
أ- اراضي الوسيه التى كانت للملتزم, حيث تركها له محمد على يحتفظ بها طوال حياته.
ب-اراضى المسموح, وهي اراضي اعطاها محمد على لمشايخ البلاد وكبار الاعيان بنسبه 5% تقريباً من زمام القريه معفاه من الضرائب مقابل الخدمات التى يقومون بها للحكومه من حيث استضافه موظفي الحكومه في المهام المختلفه.
الملكيه الصغيره:- وهي ملكيه الانتفاع للفلاحين من 3-5 افدنه التى سبقت الاشاره اليها.
تطوير الزراعه:- اتبع محمد على سياسه زراعيه تتلخص في توفير اكبر قدر من الدخل من الانتاج الزراعي بالاساليب الاتيه:-
* إحلال اساليب زراعيه جديده من شأنها زياده الانتاج وتقليل الجهد, وفي هذا الشأن استقدم المدربين الماهرين من كل مكان. وحدد الواجبات زالمسؤليات.
*الاهتمام بالتعليم الزراعي, حيث استقدم الخبراء الزراعيين من الخارج وانشأ مدرسه للزراعه.
*تحسين طرق الري, ومن اهم اعماله في هذا الخصوص شق ترعه المحموديه وترع اخرى في الدلتا فضلا عن القناطر الكثيره واهمها القناطر الخيريه, وتنج عن ذلك تحويل اراضي الوجه البحري الى الرى الدائم.
*ادخال انواع جديده من الغلات الزراعيه مثل اشجار التوت لتربيه دود القز, ونبات النيله الهنديه, وتحسين زراعه القطن, حتى بدأت مصر في تصديره من عام 1827م.
- ولقد كان الاحتكار يطبق في الزراعه على النحو التالى:-
1.تزويد الفلاح بلوازم الزراعه من بذور ومواشي وادوات يخصم ثمنها اوقيمتها من قيمه المحصول عند تسليمه.
2.إلزام الفلاحين بزراعه الحكومه من الحاصلات الزراعيه.
المبحث الثاني
الصناعه:-
كانت احوال الصناعه عندما تولى محمد على البلاد لا تلائم حاجه الجيش والاسطول ذلك ان نظام طوائف الحرف الصناعيه خضع في اواخر الحكم العثمانى للحكومه, واصبح شيخ الطائفه ملتزماً. ولم تعد الطائفه مجالا للارتقاء بالمهنه.
وعلى هذا كان احتكار الانتاج الحرفي او خضوع الصناعات لنظام الاحتكار وسيله محمد على في تنظيم الصناعه لكى تحقق اهدافه بناء القوه لاذاتيه للبلاد وطبقاً لسياسه الاحتكار كانت الحكومه تقوم بمهمه توجيه الانتاج وتوزيعه عن طريق مايلي:-
1.إمداد الصناع بالمواد الخام الازمه للصناعه بالثمن الذي تحدده الحكومه.
2.شراء المنتجات بالسعر الذي تحدده الحكومه.
3.رفع اسعار بيع المواد الخام للصناع وخفض اسعار شراء منتجاتهم لتحقيق الربح المناسب.
وقد ساعدت هذه السياسه محمد على في تطوير الانتاج الصناعي بالاجراءات التاليه:-
1.إقامه مصانع حكوميه تتبع الدوله مباشره(قطاع عام), وذلك لتوفير الصناعات المطلوبه, واستقدم خبراء من الخارج من ايطاليا, وفرنسا, وانجلترا لاعمال السباكه, والصباغه, ومختلف الصناعات.
2.إجبار مشايخ الحارات على جمع الصبيه للعمل في مصانع الدوله إجبارياً, فأصبحت بمثابه مدارس صناعيه.
3.تخصيص بعثات للخارج منذ فتره مبكره(1809م)لايطاليا, وفرنسا, والنمسا, وانجلترا, لدراسه فنون الصناعه المختلفه وترجمه الكتب الصناعيه.
المبحث الثالث
التـجــاره:-
كان من الطبيعي, وقد خضعت الزراعه والصناعه للاحتكار ان تخضع التجاره ايضاً للاحتكار وهذه ما قام به محمد على على النحو التالى:-
1. ففي مجال التجاره الداخليه احتكر محمد على تسويق جميع الحاصلات الزراعيه, فكانت الحكومه تشتري الحاصلات وتجمعها قي شؤن(مخازن) بعد ان تترك لاصحابها ما يكفيهم لمده سنه طعاماً او تقاوى بعدد افراد كل اسره وما لديها من مواش.
2. اما في مجال التجاره الخارجيه فقد قامت بها الدوله مباشره بالوسائل الاتيه:-
أ-البيع للتجار الاجانب في الداخل.
ب-البيع في الخارج لحساب الحكومه بواسطه وكلاء في الموانئ الاوربيه.
ج- احتكار تجاره الواردات. وكان محمد على لايشجع الاستيراد كثيراً, إذ كان يرى كما شاهد في اوربا قبل مجيئه لمصر ان الدوله القويه هي التى تزيد صادراتها على وارداتها.
المبحث الرابع
مابعد الإحتـــكار
النقل والمواصلات:-
وقد اتصل بتسهيل الانتاج الزراعي والصناعي والتجاره, تمهيد الطرق البريه, وبناء اسطول في البحرين الاحمر والمتوسط واصلاح الموانئ وخاصه ميناء الاسكندريه, وتطهير البحر الاحمر من القرصنه, حتى لقد فضلت شركه الهند الشرقيه الانجليزيه استخدام طريق البحر لمرور التجاره بدلا من الدوران حول افريقيا.
2. الاحوال الاجتماعيه:-
كان لسياسه محمد على الاقتصاديه في الزراعه والصناعه والتجاره اثرها في تشكيل وبناء القوى الاجتماعيه في مصر, حيث اندثرت قوى قديمه كانت بارزه في ظل الحكم العثمانى المباشر, وظهرت قوى جديده افادت من نظام محمد على ومشروعاته.
وتتلخص الاوضاع الجديده فيما يلى:-
1.انتهى نفوذ المماليك كهيئه حاكمه وحل اسره محمد على, وبعض العناصر التركيه من رجالات الدوله الذين سيطروا على امور الاداره.
2.تضاؤل نفوذ علماء الازهر والقيادات الشعبيه بإبعاد عمر مكرم وانتقال مركز القياده من الازهر الى خريجى المدارس الجديده, واعضاء البعثات. ولو ان الازهر ظل المورد المستمر للبعثات لفتره طويله.
3. ظهور طبقه الاعيان من كبار ملاك الاراضي الزراعيه(الابعاديه والجفالك), ومتوسطى الملاك من المشايخ للبلاد والملتزمين, وقد ازدادت قوتهم وتميزهم في المجتمع منذ منتصف القرن التاسع عشر بتوسيع حقوق الملكيه.
4.ظهور طبقه عمال الصناعه في المصانع الكبرى للدوله, واستمر طوائف الحرف للصناعات الصغيره كوسطاء للحكومه.
5.تدهور طبقه التجار وذلك لاحتكار الحكومه للتجاره الخارجيه والداخليه, وبهذا اختفت الشخصبات التجاريه الكبيره امثال احمد المحروقي ايام الحمله الفرنسيه واوائل عصر محمد على, وحلول التجار الاجانب ووكالاتهم وقيامهم بدور الوسطاء.
6.ظهور البدو كقوه اجتماعيه مستقره, وكانوا حتى اوائل القرن التاسع عشر يعيشون حياه الترحال والتنقل, فمنح محمد على زعماءهم اراضي واسعه في نطاق الابعاديات للانتفاع بها واستغلالها, وتدريجيا دخل البدو في الحياه المدنيه.

الفصل الرابع
"القوه العسكريه وبنائها"


"القوه العسكريه وبنائها"
كان محمد على كرجل عسكري ومحارب اساساً يدرك أهميه القوه العسكريه في مظاهرها المختلفه. ومن هنا اتجه ذهنه الى بناء قوه عسكريه ذاتيه نظاميه بديلا عن الفرق العسكريه الغير نظاميه التى تضم عناصر مرتزقه ومتمرده ومختلطه كانت سمه العسكريه انذاك, واصبحت هذه الفكره اكثر إلحاحاً بعد حروبه في الحجاز ضد الوهابيين(1811م).
المبحث الاول
إعداد الجيش

الجيش
كان الجيش هو محور سياسه محمد على الاصلاحيه, وتحديث مرافقه الدوله المختلفه, اما باقي الاصلاحات فكانت تابعه للجيش, فمثلا كان إنشاء مدرسه الطب يرجع في الاصل الى ضروره إعداد أطباء للجيش, وكان إنشاء المهندسخانه لاعداد خبراء في الصناعات المختلفه التى تربط بالجيش من سلاح وذخيره ومرافق معيشيه وعلى هذا كان الجيش أداه لتقدم العمران في مصر بالاضافه الى مهمته العسكريه.
إعداد الضباط:-
كانت اول محاوله لاعداد ضباط نظاميين للجيش في 1815م, عندما امر بتدريب فرقه من الجنود التى اشتركت في الحروب الوهابيه.
الا ان افرادها رفضوا الخضوع للتدريب الحديث, وقد بلغ بهم الامر حد التأمر لخلع محمد على, ومن ثم تراجع عن المحاوله.
وبعد ذلك بقليل(1820م) عاد الى فكرته واعتزم فتح مدرسه لهذا الغرض في اسوان لتخريج ضباط عسكريين على النظام الحديث, واستقدم للمدرسه ضباط ومعلمين ذو خبره ودرايه من الاوربيين. واعتد في ذلك على أحد ضباط جيش نابليون وهو الكولونيل سيف (اصبح اسمه سليمان باشا الفرنساوي بعد اعتناقه الاسلام).
وقد اختار اسوان لتنفيذ الفكره بعيداً عن جو المؤامرات في القاهره. وتجنباً لإثاره خواطر الناس ضد قيام فرنسى اجنبى بتنظيم الجيش المصري ولقد لاقى الكولونيل سيف متاعب كثيره في تعويد المتدربين من عسكر المماليك على النظام والطاعه المطلقه. حتى لقد فكروا في اغتياله اكثر من مره. واستمرت عمليه التدريب الاولى هذه مده ثلاث سنوات تكونت بعدها الهيئه الاولى من الضباط.
إعداد الجنود (التجنيد):-
بعد ان توفر العدد الكافي من الضباط اخذ محمد على يفكر في إعداد العدد الازم من الجنود وتنظيم صفوفهم. وهنا نشأت صعوبه الاختيار ومن اى الطبقات والعناصر فقرر الابتعاد عن تجنيد عناصر الترك والارناؤود لطبيعتهم المتمرده. كما ابتعد عن تجنيد المصريين تجنباً لاحتمال ثورتهم ضده. ومن ثم لجأ إلى فكره تجنيد السودانيين .
غير ان تجربه تجنيد السودانيين انتهت بالفشل. إذ مات معظمهم لعدم ملائمه الجو لهم. فقرر محمد على الاعتماد على المصريين وتمت التجربه بنجاح في 1824م ولما اتسعت دائره التجنيد. واستقدم محمد على من فرنسا طائفه من كبار الضباط ليعاونوه على تنظيم الجيش كما ارسل عدداً من الشبان إلى اوروبا لاتمام دروسهم الحربيه وعندما عادوا الى مصر حلوا محل المعلمين الاجانب في الدترس الحربيه.
الاسطول:-
بدأ ظهور البحريه المصريه اوائل عام 1811م عندما شرع محمد على في الدخول في الحروب الوهابيه. ذلك لنقل الجنود الى الحجاز عن طريق البحر الاحمر, وعلى هذا انشأ ترسانه في بولاق ثم في الاسكندريه لصناعه السفن الحربيه والتجاريه فيما بعد. وفي هذا الخصوص انشأ محمد على معسكرأ لتعليم البحاره من الجنود الاعمال البحريه, واقام مستشفى بحلاياً ومدرسه بحريه على ظهر إحدى السفن لاعداد الضباط البحريين. كما ارسل البعثات من الضباط البحريين الى فرنسا وانجلترا لاتكام علومهم عمليأ على ظهر السفن الحربيه الاوروبيه.

مصانع الاسلحه والذخيره
بذل محمد على جهوده في إنشاء مصانع للاسلحه في مصر حتى يستغنى عن استرداد السلاح من الخارج. ولا يبقى قوه الدفاع المصريه تحت رحمه الدول الاجنبيه. وعلى هذا اقام ترسانه في القلعه لصنع الاسلحه وصب المدافع . ومصنعين للبارود بالحوض المرصود بحى السيده زينب القاهره.
والمقياس بجزيره الروضه كما عمل على اقامه القلاع والاستحكامات الازمه للدفاع عن ثغور البلاد والعاصمه, فأصلح قلعه صلاح الدين. وبنى على مقربه منها قلعه المقطم(قلعه محمد على) وقلاع الاسكندريه ورشيد ودمياط.

المبحث الثاني
الحروب العسكرية التي خاضها حليفاً للدولة العثمانية
حمله محمد علي على الوهابيين :-
قبل ان يعد محمد علي حملته على بلاد العرب كاتب شريف مكه , ولما وثق من موالاته له , وعلم انه لم ينقد للوهابين الا كرها , جهز جيشاً عظيماً يبلغ 8000 من الالنانيين وأرسله بطريق البحر الاحمر في أسطول أعده لهذا الغرض , كان يصنع سفنه قطعاً مفككة بالقاهره , ثم يرسلها الى السويس علي ظهور الإبل لتركب حناك.
وقد افاد هذا الاسطول فائده عظيمه أذ به يمكنه ان يسيطر على جميع ثغور العرب ويصبح في قبضته كل التجاره وطرق الحج إلى البيت الحرام .

وصول طوسون إلى بنبع:
نزلت هذه الحمله في ثغر "ينبع" بقياده ابنه طوسون , فلم يلق بها أدني مقاومه لان شريف مكه "غالباً" سلمها طوع ارادته , ومن ثم سار نحو المدينه . وكان العدو قد كمن له , فتغلب في طريقه بعد مناوشات خفيفة على قريتي "بدر" والصفراء"
إنهزامه عند الجديده :
إلا ان العدو بيته عند الجديده في درب ضيق جداً وكاد يقضي علي كا الجيش فلم بيق منه الا 3000 جندي التجئوا الى ينبع بعد ان ألأنهكهم التعب , هرب بعد هذه النكبه كل الالبانيين ز فلما علم محمد علي بذلك استشاط غضبا وانب "صالح قوج" رئيسهم على تخاذلهم وما اظهروه من الجبن وكان يريد الفتك بصالح قوج , لولا ماله عبيه من المآثر خصوصاً بلاءه في حادث القلعه , فاكتفى بنفيه من مصر مع من هرب معه من الالبانيين بعد ان اجزل لهم العطاء . وكان يعتقد انه لايهدأ بال مادامت هذه الفئه الثائره المتمرده في داخل البلاد .

فتح المدينه:
وفي عام 12227 هـ (1812 م) أرسل محمد علي مدداً الى طوسون بطريق القصير فسار به نحو المدينه ودخلها عنوة بعد أن دوخ الوهابيين . وكانت هذه ضربه قاضيه على سعود الثاني , وابتدا الدذهب الوهابي يتدهور بعض الشئ . ثم ذهب طوسون توا الى مكه بطريق جده , فلم يلق إلا الاكرام من شريف مكه وسلمهمفاتيح الكعبه , فارسلها طوسون عي ومفاتيح الحجرة الشريفه الي والده , فارسلها الي الباب العالي يبشره برجوع الحرمين الي حوزته . وأراد بعد ذلك طوسون أن يقتفي أثر الاعداء.

انهزام طوسون عند طربه:
في داخل البلاد, فهزمه الوهابيون شر هزيمه عند" طربه " وهي بلده صغيره في شرق مكه وعلي مقربه منها. وكانت خسائر هذه الهزيمه عظيمه جداً, حتي ان سعوداً زحف بجيشه علي ارض المدينه ثانيه وهددها بالاخذ عنوه.
ولما وصل خبر هذه النكبه الى محمد علي عزم علي ان يتولي قياده الجبش بنفسه.
فاخذ العه لذلك وتوجه الي الاقطار الحجازيه. لما وصل هناك أدي فريضه الحج, ثم علم من بعض الافراد ان الشريف غالباً مذبذب في ولائه, فاحتال في القبض عليه بواسطه طوسون ابنه وارسله ال القسطنطينيه حيث قتل هناك بعد مده وجيزه.
ثم ابتدا محمد عاي علي بعض مناوشات مع الرهابيين لم تكن فاصله, وكان كلا الفريقين يخاف منازله خصمه.
وفي اوائل سنه 12229 هـ(1814 م) مات سعود الثاني وبموته فقد الوهابيون اعظم ساعد واكبر بطل بلغت في مدته دولتهم شأوا بعيدا لم تبلغه من قبل ولا من بعد, فان عبدالله ابنه الذي خلفه كان اقل منه ذكاء وفروسيه وقدره . وكان آخر الفاظ فاه بها سعود وصى ابنه الاكبر: "ياعبد الله لاتدخل في حرب مع الترك في ميدان مكشوف ابداً والزم انت وعساكرك في حربهم المواقع الصعبه حتي لا يتيسر لهم النصر وخذ لنفسك الحذر ولا راد بقضاء الله وقدره" ولو اتبع عبدالله هذه النصيحه لما تغلب عليه المصريون قط الا انه خالف والده والتحم مع محمد علي في اول واقعه عند "بيصل" حيث دارت الدائره فيها عليه, وذلك في سنه 1230هـ (1815م).
ثم حصلت حوادث في الفتره اضطرت محمد علي ان يرجع الى مصر منها ـنه لما علم بهرب نابليون من منفاه في "إلبا" وتوقع احتمال غزو الترك للبلاد المصريه , رجع مسرعا بطريق القيصر فقنا , ووصل القاهره في اليوم الذي جرت فيه موقعه "ووترلو" ومنها انه علم ايضاً بتدبير مؤامرات على عزله وقتله , وظن أن ذلك بإيعاز من رجال الباب العالي . أما رئيس المؤامره فهو : لطيف باشا " أحد المماليك , وكشف سر هذه المؤامرة " الكخيالاظ اوغلي باشا " فقتل لطيفا ومن معه بعد ان حاول الهرب والاختفاء . وكان غرضه ان يكون واليا علي مصر اذا نجح في قتل محمد علي .

عوده طوسون ووفاته:
وعند عودة محمد علي هم بتنظيم جيشه على الطراز الغربي, فأبى عليه ذلك الجند مقلدين الاتراك في ذلك, ولما علم طوسون بتلك الفتن والقلاقل من جهه وتألب الجبش عليه من جهة أخري عاد مسرعاً الي مصر, وتوفي بالاسكندريه عقب مرض لم يمهاه اكثر من عشره ساعات.
وكان قبل سفره قذ عقد شروط صلح مع الوهابيين, الا انهم نبذوها ظهريا ولذلك جهز محمد علي حمله أخري الى بلاد العرب بقيادة ابنه ابراهيم باشا في شوال سنه 1231 هـ(سبتمبر1816 م). ولم يسلك ابراهيم طريق السويس, بل نزل في النيل بجنده ( في سفن اعجت لذلك الغرض) الى قنا ,ومن ثم على ظهور الابل الى القصير, ثم الي ينبع, ومنها ال المدينه المنوره.
قد اعمل الفمره ذلك البطل العظيم في استنباط الخطط الحربيه التي وقفته بين صميم عظماء الرجال ومشاهير القواد , واعانه علي تنفيذ تللك الخطط مهرة الضباط والمهندسين الفرنسيين . علي ان والده قد اوصاه ان يحارب كل قبيله معاضده للعدو علي انفراد , ليكون بذلك أقدر علي الفتك بجنودها , وتفريق كلمتها وتمزيقها شر ممزق.
كما نصح له ألا يتوغل داخل البلاد ,وحذره من الاغارة علي الدرعيه من طريق غير طريق المدينه المنوره , ليحفظ لنفسه خط الرجعه , وليكون وصول المدد اليه من السهوله بمكان .

واقعه الريس:-
وأول موقعه التحم فيها جيشه مع الوهابيين كانت عند عند "الريس" سنه 1232هـ (1817م), وفي هذه الملحمه انهزم جيشه هزيمه لم نثن من عزمه.
استمرت سنه كامله في كفاح وجلاد. ولذلك اخضع قرى كثيره وصار قاب قوسين او ادنى من الدرعيه حاضره الوهابيين, وهى على بعد 400ميل من المدينه المنوره التى اتخذها قاعده لاعماله الحربيه.
حصار الدرعيه:-
وابتدأ ابراهيم باشا في حصار الدرعيه في جماد الثانى سنه1233هـ(اول شهر ابريل سنه1818م), فمكث مده يعالج فتحها وهو مستعص عليه. وفي غضون ذلك انجر مخزن ذخيرته, فلم تفتر همته, ولم يساوره اليأس, لانه كان على يقين من استياء العالم الاسلامى اجمع من فظاعه الوهابيين.
هذا الى ان تلك الحرب في الحقيقه كانت حرباً بين العنصرين التركى والعربي, وكلاهما يود لو يضعف الاخر امامه, فيميل عليه ميله واحده يكون فيها القضاء المبرم عليه.
بعد ذلك أخذ ابراهيم باشا يمد يد التخريب والتدمير في ضواحي مدينه الدرعيه.

تسليم عبد الله:-
ليحول بينها وبين المؤنه والمدد, وبذلك اضطر عبد الله الى الخضوع والاستسلام لسيطرته وسلطانه, فسلم نفسه في ذى العقده سنه1233هـ(1818م).
ولم يعامله ابراهيم باشا الا بكل كرامه واحسان, ثم ارسله الى والده بالقاهره فبالغ في اكرامه ايضاً, ثم ارسله الباب العالى بعد ان استرد منه كل ما سلبه من الحرم الشريف. وبعد وصوله بزمن يسير امر به فقتل, فلما بلغ اهل الدرعيه مقتل هاجوا وماجوا, وانتثر عقد نظامهم, ولذلك ارسل محمد على في طلب قرابه عبد الله الى القاهره واجرى عليهم وظائف تقوم بمعاشهم.
تخريب الدرعيه:-
اما مدينه الدرعيه فأصبحت اثر بعد عين, لان ابراهيم باشا رأى بقاءها عامره حجر عثر في طريقه, ولو تركها من غير تخريب لكانت ركناً مكنياً ومعقلا حصيناً لآعدائه فلم يبق عليها لذلك وساعده على تخريبها الاهالى انفسهم, تقربا اليه واسترضاء له.
وهكذا انتهت الحروب في بلاد العرب بعد القضاء على سلطه الوهابيين, والذين كانوا يدعون انهم يسعون في سبيل استرداد مجد الاسلام الضائع.

"حرب اليونان"
الاستقلال الذي ألهب خبال اللورد بيرون Byron والشعوب ذات العقلية الليبرالية في كافة أنحاء أوروبا – محمد علي بالمثل ولكن لسبب آخر مختلف.
فكما فكر نابليون رأى محمد علي أن الفرصة متاحة لاستخدام مصر كرأس حربة في مواجهة الإمبراطور العثمانية ذاتها: وأن هناك طريقين يؤديان إلى القسطنطنية:
طريق بحري عبر بحر إيجة، وطريق بري عبر مقدونيا. وكانت القوات المصرية سواء البحرية أو البرية أشد قوة من الجيش والأسطول التركي الذي لايمكن الاعتماد عليهما.
كخطوة أولى استولى على كريت عام 1822 وأرسل حقيبة مملوءة بالآذان البشرية إلى السلطان كدليل على ما قام به، وكانت مكافأته أن حصل على اللقب الشرفي "باشا الجزيرة" وبعد عامين آخرين توجه السلطان مباشرة إليه يطلب المساعدة.
ولأن الأمور كانت تسير إلى وضع يائس بالنسبة للأتراك في البلاد اليونان، فقد وعده الباب العلي إن هو أثبت جدارته بقوة السلاح ليستحق اللقب فسوف يعين باشا على المورة كلها. لقد أدهشت الحملة التي قادها إبراهيم باشا عبر البحر المتوسط (60 سفينة حربية، 16.000 من القوات محمولة في مائة سفينة نقل) كل فرد في أوروبا، فقد :ان أمرا لا يصدق أن يتمكن محمد علي من بناء مثل ذلك الجيش والأسطول القويين في مصر خلال سنوات قليلة ومن لاشئ. لقد أدى الكولونيل سيف مهمته التي كلفه بها سيده على خر وجه.
لقد قصمت حملة إبراهيم ظهر الثورة اليونانية، فقد سقطت أثينا ثم تلاها (وبعد حصار طويل) ميسولونجي Messolongi ، غير أن نجاحه أو بالأحرى قسوته البشعة التي لازمته، كانت البداية لأفوله. فمحو بعض المدن من على وجه الأرض، وبيع سكان البعض الآخر في أسواق الرقيق قد يكون مقبولا في مجاهل بالد العرب أو أواسط أفريقيا، ولكن ليس في بلاد اليونان ذاتها، وذلك تحت تأثر النظرات المركزة لقارة أعطى التعليم فيها لبلاد اليونان مكانة عاطفية. ولا فقد ان الرأي اعام في أوروبا يتوقد غيظا بشدة م مسلك إبراهيم. ودعى إلى عقد مؤتمر في لندن (1826)، وأرسلت كل من بريطانيا وفرنسا (تلك الدول التي بدأت تتخوف من احتمال أن تؤدي الأحداث إلى اندلاع حرب أوربية شاملة) أساطيلها مجتمعة لمراقبة التطورات.
مماطله محمد على:-
في غضون ذلك, حصل محمد على على قياده الحرب على اليونان بمفرده. واختار الا يعطي تعقيباً على العروض التى قابله في مايو 1827م وحاول إغراءه بأحياء المحادثات السابقه, فهل استغل محمد على اتصالاته مع القوى العظمى لكي يظهر للسلطان انه بامكانه الاعتماد عليه في المسرح الدولى؟ بل واسرع بإرسال مبعوث سري الى السلطان امتيازات جديده, وبدا يكشف عن اهدافه: فهو يريد الحصول على ولايه سوريا كى يوسع مناطق نفوذه. واعرب عن امله في الاعتراف بالحكم الوراثي.
وكما استشف من مواقف السلطان اثناء الحمله على الجزيره العربيه فإنه اعتقد ان هذه المطالبه ثابته.
ولكي يظهر محمد على إصراره على الوقوف بجانب السلطان. قام بإرسال خمسه عشر الف رجل لتقويه موقف ابنه ابراهيم والقيام بهجوم على هيدرا. الا ان محمد على فوجئ بموضوع اخر سبب له الاستياء. فقد بادر السلطان بتعيين خسرو- العدو اللدود والدائم لمحمد على– وزيراً للحربيه. شعر محمد على بطعنه وجرح في قلبه, لان السلطان يعرف تماماً مدى الكراهيه بين الرجلين وان محمد على سينظر لهذا التعيين كدليل على عدم الثقه نحوه. وبادر محمد على بإن يعلن عدم تعاونه مع هذا الشخص والذى اثار حنقه بتعيينه وزيراً للحربيه. وازداد سخطه عندما بدأ يواجه تغيرات مفاجأه في المواقف والتى ستتكرر في المستقبل وتصير عاديه واخذ يتساءل عما اذا كان من غير المفيد له التقرب الى القوى العظمى.ولذا اخذ يبحث في جذب الرأي العام الفرنسى معه وكلف قنصل فرنسا دروفيتى برساله بعث بها الى الحكومه الفرنسيه انه لا يعارض السياسه الفرنسيه في المنطقه ولكن رئيسه الاعلى السفير في استامبول كان حذراً.

القوى العظمى تستعد للتدخل:-
لم تبادر الحكومه الفرنسيه بسرعه الرد, لانها كانت تدبراً اتفاقاً مع انجلترا وروسيا بالتدخل بأساطيلها الى هيدار, وكذلك نظيره الاميرال كودر ينجثون حيث طلبا وساطه القنصل الانجليزى بالقاهره سولت, ولم يقدم اى منهم وعوداً محدده بتقديم تعويضات حدوديه مقابل تلك النصائح لمحمد على رغم علمهم انه لا يوافق على اى شئ دون الحصول على مزايا مقابل موافقته, ومع ذلك. فقد شعر بقلق بالغ لانه لا يعرف ان الدول العظمى الثلاث تعد للتدخل البحري وبأن استامبول توفض تعليق اعمالها الحربيه ضد اليونان ومن جابنه حث رئيس الوزاراء التركي محمد على على سرعه التدخل, وفي اغسطس 1827م امر محمد على الاميرال محرم بك بلاستعداد للرحيل.
وعند هذا الحد, لم يتضح موقف القوى العظمى, فقد بدأت سياسه التردد التى اتبعتها بالنسبه لمسأله الشرق لعده سنين, وكل دوله تراقب الاخرى وتاره يتم التحالف بينهم وبعد فتره يحدث التعارض, ولذا كان من الصعب متابعه موقفهم, والنقطه الوحيده التى كانت سائده بينهم عي رغبتهم في اقتسام بقايا واسلاب الامبراطوريه العثمانيه. وظهر تناقضهم ايضاً عندما اعربت كل من بريطانيا وفرنسا بعد توقيع اتفاقيه لندن في اغسطس 1827م مع روسيا عن رغبتهما في الا يكون لروسيا موضع لقدم في شرقي البحر المتوسط والا يكون لها دور هام في تلك المنطقه, وفضلا عن ذلك ففي الوقت الذي كان موضوع الاتفاقيه مسانده التمرد, فإن اليونانيين فضلوا البقاء تحت هيمنه السلطان التركى افضل من ان يجدوا انفسهم تحت نفوذ قيصر ارثوذوكسي, اما عن الفرنسين فكان موقفهم غامضاً, إذ كانوا قد ارسلوا بعثه عسكريه الى مصر لمساعده الجيش والبحريه المصريه, وفي نفس الوقت كانوا متحمسين لفكره الاستقلال للشعوب المضطهده وكان عدد كبير من المتطوعين الفرنسيين يحاربون في صفوف المتمردين اليونانيين.
من ناحيه اخرى. ظهرت قوه اوروبيه اخرى تهتم بمسأله الشرق وهى النمسا اذ كان المستشار ميترنخ معادياً لحركات التحرير اليونانيه لانه كان يخشى ان يمتد التمرد إلى الممتلكات المجاوره للامبراطوريه النمساويه حيث تقع في إغراء الحكم الذاتى وتثور ضد السلطه المركزيه. وهكذا وفي نوفمبر1826م وصل الكونت دى بروكس في مهمه إلى مصر وعقد اجتماعاً مع محمد على واجرى محادثات مطوله مع باغوص وزير الخارجي. كانت مهمته تنحصر في تحذير مصر من الوقوع في دسائس ومؤامرات انجلترا ووعودها الخادعه.
وفي الواقع, كان المستشار النمسا مكيافلي النزعه. وسعى الى منع مصر من المطالبه باستقرلها, ميترنخ في مصر كما في اليونان. كان مشغول بالمحافظه على وحده اراضي الامبراطوريه العثمانيه لانه كان يخشى من حدوث رد فعل مماثل على امبراطوريه النمسا, وفي مارس1827م كتب الاميؤ ليفن سفير روسيا في النمسا الى ميترنخ يدعوه الى الانضمام للقوى العظمى الاخرى, وابرز فكره ان الانتصار المصري في اليونان سيؤدى الى ايجاد سلطه افريقيه جديده, الا ان المستشار تمرد على هذا الرأى.
موقعه نوارين(20اكتوبر1827م):-
في الوقت الذي كان الدبلوماسيون المذكرات, كانت الاستعداد البحريه المصريه قد بدأت حسب الخطه المتفق عليها. اعيد تسليح الاسطول المصرى في الاسكندري وتم تقيه بتسع وثمانين باخره وتحك من يناء اسكندري في 6اغسطس ليحق الاسطول التركى في نوراين ليصل إجمالى عدد البواخر الى 129باخره حربيه,وسعت الحكومه البريطانيه من جانب واحد إلى بذل اقصى الجهود لحوار السلام.
وارسلت الميجور كرادوك في مهمه الغرض منها اقناع محمد على بالعدول عن اشتراك اسطوله في المعركه البحريه التى يستعد لها, ووصول يوم 8اغسطس ولفت الانتباه الى تصميم القوى العظمى على خوض المعركه والى المخاطر لاتى يتعرض لها بهزيمتهه والنتائج المترتبه على ذلك, الا ان هذا التدخل جاء متأخراً, ففي الوقت الذي كان فيه الاسطول التركي المصري في الطريق وان محمد على لا يستطيع إصدار الاوامر لاسطوله بالبقاء بعيداً عن الصراع دون ان يكشف امره كما ان محمد على في نظر العالم مجرد تابع للسلطان وحصل على القياده العليا للعمليات لابنه ابراهيم, لذا لم يبد اى اهتماماً لهذا التحذير واخته نشوه الانتصارات العسكريه السابقه مما جعله يستبعد اى تصور لاحتمالات هزيمه اسطوله.
ولم يدرك ان الاسطول التركي المصري كان مزوداً بمراكب متباينه وجهزت بتسليح غير كاف وبإطقم مرفهه وضباط مرتزقه تحت قياده امراء بحر عديمي الخبره القتاليه, وهو فى هذه الحاله لن يواجه فقط البحريه اليونانيه والتى هي اقل تجهيزاً منه انما الاسطول الفرنسي الانجليزى المسلح تسليحاً كافياً والمدرب ويقووده قاده مشهود لهم امثال الاميرال دورينى والاميرال كودر ينحثون.
رسا هذا الاسطول في ذات يوم 20سبتمبر1827م وقابل دورينى ابراهيم في نورانين وحذره من ان الحلفاء عقدوا العزم على منع الاسطول المصري من التحرك الا بالأتجاه الى الاسكندريه.
وفي 13اكتوبر انضم اليهم الاميرال الروسي دون هيدن في زانت بأسطوله.
احيط محمد على بأن التهديدات من جانب القوى العظمى سوف تنفذ, وحث السلطان على الدخول بسرعه في مفاوضات مع اليونانيين, وبدأ محمد على يدرك خطورهالموقف الذي وضع فيه الاسطول وكتب الى ابراهيم بألا يبدأ بإطلاق النار على سفن الحلفاء. والا ينفذ تعليمات استامبول الا عند الضروره, ولكن الباب العالي كسول كعادته لم يحرك ساكناً, بالسطيره على الموقف الخطير والتردى بل تخيل ان اسطزله المدعم بالاسطول المصري سوف يرهب اسطول الحلفاء بل واعتبر ان القوى العظمى لن تجرؤ على الذهاب بعيداً بسبب النتائج السياسيه التى ستحلق بهم نتيجه هجومهم العنيف على الامبراطوريه العثمانيه.
في يوم20 اكتوبر 1827م توغلت الاساطيل الاوربيه في خليج نوارين حيث يرسو الاسطول التركي المصري, وارسل ابراهيم ومحرم بك قائد الاسطول التركي المصري رساله الى كودر ينجثون بصفته قائد اساطيل الحلفاء طالباً منه عدم التوغل في الخليج, ورد القائد الانجليزى بصلف وغطرسه بريطانيه قائلا انه اتى لكى يعطى اوامر وليس لتلقي الاوامر, ووقع حادث الهب الموقف وزاده اشتعالا, فقد انطلقت رصاصه طائشه على نايبدو من احد المراكب المصريه وقتلت ربانا من اساكيل الحلفاء واعقب ذلك تراشق بالرصاص من البنادق ثم مالبث ان تحول الى قصف مدفعي عنيف, وفتحت الاساطيل الاوربيه النار بشده على الاسطول التركى المصري غير المسلح نسليحاً كافياً, ونجم عن ذلك قتل ثمانيه الاف جندي وبحار, ووضعت السفن التركيه المصريه في كمين وحوصرت في كماشه بحيث لا يمكنها الفرار ودارت معركه رهيبه بسرعه مذهله.
وحاول امراء البحر من الجانبين تهدئه الموقف, ولكن لجوء اساطيل الحلفاء الى استخدام القوه في الخليج نورانين جعل الاتراك والمصريين يشعرون بالتحدى لانهم لم يكونوا يتصورون ان سفنهم يمكن ان تصاب بالعطب.
رد الفعل امام كارثه نوراين:-
ما هي ردود الفعل لدى الذين تدخلوا عقب كارثه موقعه نوراين البحريه؟
في فرنسا, اعرب الرأى العام عن ابتهاجه وفرحته بهزيمه العثمانيين لانه بعث الامل في نفوس الثوار اليونانيين ولان انتشار الافكار الثوريه جعلتهم يتعاطفون مع الشعب ومع المثقفين.
الا ان الحكومه ظلت محتفظه: فمحمد على صديق لفرنسا وهزيمته بهذا الحجم الهائل من الممكن ان تقف حائلا امام طموحاته بل قد تؤدى الى ان يعزله السلطان.
وفي انجلترا كانت ردود فعل الحكومه في غايه القسوه والعنف حيث استدعى الاميارل كودر ينحثون ووجه اليه لوم شديد على استخدامه للعنف بدون داع, لانه ارسل الى اليونان لمجرد استعراض القوه ولمسانده التحذير الذي وجهته الحكومه البريطانيه لدى الباب العالى ومحمد على وليس أى حال من الاحوال تدمير اسطول دوله حليفه كما كانت دائما وهي الامبراطوريه العثمانيه والتى لم تعلن انجلترا الحرب عليها.
اما في اسطانبول فقد ساد السخط والغضب العارم ووصفوا هجوم الاسطول الفرنسى البريطانى بالغدر والخيانه.
اما القوى ذات الحكم المطلق, مثل روسيا والنمسا فقد اصيبت بالوجوم والذعر لشعورهم بأن التمرد اليوناني من الممكن ان يخرج منتصراً من كارثه كهذه.
وقد امتد الصراع اليونانى التركى الى ما هو ابعد من المشكله التى أثارها اليونان وظل هذا الصراع قائماً لعده عقود من الزمان.
ومن ناحيه اخرى نجد التدخل الففرنسى والانجليزى في شؤن الداخليه للامبراطوريه العثمانيه بينما هى كانت بمثابه مصيده لجيران هذه الامبراطوريه وهما روسيا والنمسا.
وكان نابليون قد سلط الضوء على الاهميه التى تقع على الطريق المؤدي للهند, ومكن ناحيه اخرى فابلنسبه لمصر نفسها فإن انجلترا وفرنسا بتدخلهما السافر في الصراع الذي نشب بين الاتراك واليونانيين.
وانما ارادوا فقط الدفاع عن اليونان والوقوف ضد المغتصب التركي.كما لم يفكروا في الدفاع عن مطالب محمد على الاقليميه الخاصه بتكوين امبراطوريه على حساب السلطان.
وكان رد فعل محمد على على كارثه موقعه نوراين مختلفاً عما كان متصوراً. فكان دائماً يشعر بعدم الثقه تجاه الانجليز وبإنه خدع من موقف الفرنسيين الذين لم يترددوا في اطلاق النار على اصدقائهم المصريين وعلى سفنهم التى سهموا فيها بمساعدتهم الفنيه وبنائها وتسليحها, وكان عدد كبير من المعلمين والمتدربين الفرنسيين متواجدين على ظهر الفرقاطه المصريه اخذ محمد على يواسي نفسه من جراء هذا الفشل, واشتدت المقاومه اليونانيه واصبحت موجهه ضد السلطان محمود الثانى وليس ضد محمد على الذي لم يكن يحمل اى عداوه تجاه اليونانيين وصار مقتنعاً بأن السلطان اصبح في حاجه متزايده اليه وعلى اى الاحوال فهو لاشك في ان الباب العالى سيتخذه من هذه الهزيمه ذرعيه لاقصاء محمد على.
ولكن مايزعج محمد على كثيراً هو فقده لاسطوله وتحطيمه امام الاساطيل الاوربيه مما جعله يشعر بالمهانه لعدم كفايه التسليح وقله تدريب الاطقم.
الجلاء عن الموره:-
قام كودر ينجثون بعد انتهاء معركه نوارين البحريه بتوقيع إتفاقيه بصوره مباشره مع محمد على دون تدخل السلطان بتنظيم الجلاء عن الموره واحتفظت مصر بحاميات في اربع مدن من بينها باتراس ونوارين.
ولضمان الانسحاب الفعلى لاعداء ضخمه من القوات المصريه قررت فرنسا وإنجلترا ارسال فيلق الى الموره قوامه15الف رجل.
وصل الفيلق الى اليونان واستقبل إبراهيم الجنرال ميزون قائد الفيلق في خليج مودون وذلك في جو ودى لان المصريين لا يحملون اى ضغينه للفرنسيين من جراء معركه نوراين.
نتائج حرب اليونان بالنسبه لمحمد على:-
خرج محمد على مكتئباً من مسأله اليونان, لانه إذا كان قد حصل على جزيره كريت فلم يحصل على سوريا التى كانت هدفه الحقيقى والتعويض الذى طلب من السلطان مقابل تدخله, هذا بالاضافه الى تدمير اسطوله, اما المكسب الوحيد الذي خرج به فهو ان يرى نفسه وقد عامله السلطان مقابل تددخله, هذا بالاضافه الى تدمير اسطوله, اما المكسب الوحيد الذي خرج به فهو ان يرى نفسه وقد عامله الاوربيون والقوى العظمى على انه رئيس دوله لا يتبع لاحد.
غير انه كان يشعر بأنه لم يحسن الاختيار عندما لو يلبى مطالب القوى العظمى حينما حاولت ثنيه عن التدخل البحري في اليونان, لكنه لم يكن يجرؤ على المغامره بسياسه تخالف مطالب السلطان والاسلام دون الحصول على المسانده الرسميه من القوى العظمى, لقد كان متردداً حتى في وضع شروطه للاشتراك في تلك الحمله بل كان متردداً في الاختيار.
وفي النهايه أساء الاختيار لقد خدع بالحمله على اليونان ولذلك كان يتطلع الى الهدوء والبعد عن المشاكل, وعندما نشبت الحرب بين روسيا وتركيا عام1828م رفض التدخل بحجه إعاده تشكيل جيشه وبناء اسطوله والنهوض بالسياسه الخاصه بالاصلاح داخل بلده. وفي الواقع قد بدأ محمد على على استعداداته العسكريه بتوسيع ترسانه الاسكندريه واستدعاء خبراء اجانب لبنلء اسطولا جديداً وإعاده تنظيم جيشه. وفكر في اعطاء نفسه مهله يلتقظ فيها انفاسه ويوقف التوسع الجغرافي القائم على نجاحه العسكرى. وفي عام 1828م بدأ يكرس جهوده نحو الاصلاح الاقتصادى والاجتماعي لمصر, وتشبهلً بنابليون الاول, فلم تمنعه غزواته من إدخال اصلاحات جذريه.
وفي هذا الصدد وقبل الحادث عن التنظيم الجديد الذي اراد محمد على إدخاله في مصر نجد من الضرورى ان نلقى الضوء على تأثير النفوذ الفرنسي على مصر وعلى محمد على.
المبحث الثالث
الحروب العسكرية للانفصال
حرب السودان:-
اسباب فتح السودان:-
بعد ان تم النصر المبين لمحمد على وقضى على الوهابيين القضاء المبرم, واستأصل شأفتهم من بلاد العرب, عنت له حاجه شديده الى فتح السودان وضمه الى سلطانه ونفوذه وذلك لاسباب سياسيه وماديه.
الاسباب السياسيه:-
لما قضى محمد على دوله المماليك في مذبحجه القلعه هرب اناس كثيرون منهم واعتصموا بالوجه القبلى. فطاردهم ابراهيم باشا حتى اجتازوا الحدود المصريه. وتحصنوا في دنقله واقاموا بها القلاع والحصون, وقد احتمل محمد على في القبض عليهم والايقاع بهم فلم يفلح.
هذا الى ان الالبانيين كانوا خطراً عليه في كل وقت, لانهم كانوا لا ينزلون من انفسهم الا منزله فرد منهم. وكان الضباط يشقون عصا طاعته ويأتمرون فيما بينهم به ليسقطوه, ولم يذعنوا للاصلاح الذي ادخله في الجيش. ولذلك كان يصدرهم في مقدمه الجيش عند الالتحام ليبيدهم ويقضى عليهم, فيربأ بنفسه عنهم, ويستبدل بهم ابناء السودان (الذين شبوا على الشجاعه والصبر ومقاومه اعباء الحروب) بعد تدريبهم على الفنون الحديثه, لانه اعتقد ان ابناء مصر لا يصلحون للتجنيد لما ينقضهم من الصفات التى تؤهلهم لذلك.
- اما الاسباب الماديه فتلخص ايضاً فيما يلى:-
اراد محمد على فتح السودان ليتسنى له بذلك تجديد طرق القوافل التى كانت بين مصر والسودان. فيتسع نطاق التجاره بين القطرين ويناله من هذه التجاره مايفرضه عليها من ضرائب ومكوس جمه, حتى يسترد ما انفقه في محاربه الوهابيين, ويكون ذلك مورداً دائمياً من موارد خزانته فضلا عما كان يسمع عن السودان وما فيه من مناجم الذهب الغنيه التى يمكن استخراجها والانتفاع بها.
وان من البواعث التى حركتها لفتح السودان ما رأه من ان سعاده مصر متوقفه على استحواذ عليه وضمه الى ملكه, لان ريف مصر متوقف ريه على روافد النيل العليا, ولذلك توزيع المياه على حسب الحاجه مع مراعاه المصلحه العامه.
ولما عزم محمد على على انفاذ رأيه, ورأى ان فتح السودان امر من العظم بمكان سير جيشأ بادئ بدء الى واحه سيوه لاخضاعها قبل الزحف على السودان, حتى لا تكون مصدر شء بجواره.
فسار هذا الجيش الصغير في جمادى الاولى سنه1235هـ (فبراير سنه 1820م) فأخضع سكان الواحه, وصارت جزءا متمماً لمصر من ذلك الوقت.
اما حمله السودان فإنها ابتدت السير من القاهره في شوال سنه 1235هـ (يوليو سنه 1820م), وكانت مؤلفه من ثلاثه الاف راجل والف وخمسمائه فارس, واثنى عشر مدفعاً. وخمسمائه من عرب العبابده إمره شيخهم "عابدين كاشف" (وكان قد وعده محمد على بولايه دنقله بعد فتحها).
فتجمع الجيش في اسوان, حيث رتبت هناك الميره والذخيره.
ولما خرج اسماعيل باشا(وهو اصغر اولاد محمد على) لتولى قياده الجيش اجتاز هو ومن معه الحدود المصريه, ودخلوا ارض دنقله, حيث تيم الباقيه من المماليك الذين طاردهم ابراهيم باشا كما تقدم والتجؤا الى هذا الافليم.
فلما علموا بذلك انقسموا قسمين: قسماً صاغراً بدون معارضه. واخر ركب راسه فاراً الى كردفان, بعد ان ابراهيم بك الكبير مات بدنقله قبل الحمله بزمن يسير, وبموته انقرضت رؤساء هذا العنصر الذي حكم مصر سته قرون تقريباً.
سار اسماعيل وبيده زمام القياده العامه ولم يعترض في طريقه عقبات تذكر حتى وصل مدينه"كرني" حيث سحق عرب الشيخيه وشتت شملهم في موقعتين فاصلتين ومن ثم يمم جيشه "بربر" ودخلها بدون مقومه في جمادى الثانيه سنه 1236هـ (مارس سنه 1821م) وفي 4 شعبان من تلك السنه دخل ايضاً مدينه "شندى" التى سلمها الملك "نمر" وتم له اخضاع قبيله الشيخيه. وما زال اسماعيل متوغلا في البلاد حتى وصل رأس الخرطوم, ثم حول وجهه شطر النيل الازرق. ولحسن حظه دخل "سنار", وهى حاضر اكبر اقليم في السودان, بدون معارضه تذكر. وذلك ان سلطان "بادي" واخاه كانا إذ ذاك يتنازعان الملك, فنجح اسماعيل في تثبيت عرش "بادي" الذي قابله بكل تجله وحفاه, ثم قبل ان يكون نائباَ عن محمد على في هذه الارجاء الشاسعه مع الاعتراف بسلطانه.
ومن هناك ارسل اسماعيل الافاً من العبيد الى اسوان, حيث لهم معسكر لتدريبهم على الفنون الحربيه الحديثه وتقشى المرضى اسماعيل اثناء اقامته بسنار, حتى اضطرا الى ان يطلب مدداً ومؤونه من ابيه لا نحطاط قوه الجيش, لقله عددهم وفتور عزيمته. وذلك الى ان جنده كانوا بين قبائل شتى معاديه لهم, ولا يمكنهم ان يصدموا هجماتهم اذا ثار تأثرهم وخرجوا عليهم.
لذلك كان اسماعيل قلقاً مضطرباً, ولكن هدأ روعه وسكن اضطرابه اذ علم بزصول المدد اليه. فرجع قافلا منحدراً الى ملتقى النيل الازرق بالنيل الابيض حيث وصل المدد الذي ارسله ابوه تحت إمراه اخيه "ابراهيم باشا".
فلما وصل اسماعيل بجيشه والتقى بأخيه انفقا على تقسيم العمل والجيش معاً: فكانت مهمه اسماعيل الزحف بجيشه الى اعلى النيل الازرق بقدر استطاعته. واما مهمه ابراهيم فهى الاستكشاف عن النيل الابيض من الجهه الغربيه. وكان الباعث له ذلك رغبته في وصول بجيشه الى المحيط الاتلنتى اذا كان الابيض متصلا بنهر النيجر واذا لى يتحقق له ذلك عاد الى كرفان وعبأ جيشاً يسير به نحو الشمال مخترقاً الصحراء, حتى يصل الى طرابلس, ومن هناك الى البحر المتوسط. وان هذه الخطه لتدل صراحه على مقدار ما كان يطمح اليه محمد على اولاده, كما تدل على مقدار هممهم العاليه وثقتهم بأنفسهم.
وصل اسماعيل في زحفه على النيل الازرق الى "تومات" اما ابراهيم باشا فقد اعترضه مرض شديد, حال بينه وبين تنفيذ خطته, واضطره الى العوده لمصر بعد ان وصل جيشه الى جبل "دنكا" جنوباً.
وفي منتصف عام 1237هـ(1822م) ارسل محمد على جيشاً ثالثاً تحت قياده صهره "محمد بك الدفتراوى" لغزو كردفان, فهزم بعض القبائل عند مدينه "بارا" واستولى على الابيض, وضم اقليم الابيض الى مصر.
ومما قام هذا الجيش ايضاً الانتقام من "نمر" ملك شندي على نكايته بأسماعيل ومن معه.
وذلك ان اسماعيل وهو عائد الى مصر ظافراً منصوراً أهان نمراً إهانه شنيعه فأسرها نمر في نفسه, واخذ يفكر في طريقه الانتقام من اسماعيل, حتى بيت رايه على ان يأدب مأدبه فاخره يدعو فيها اسماعيل ومن معه. فلما تم له ذلك, ولبى دعوته اسماعيل ومن معه امر اتباعه واشياعه بأن يجمعوا حول نزله حطبا ومواد ملتهبه ثم يضرموا فيها النار .
ففعلوا, فشبت النار في النزل, فدمرته وحرقت جميع من فيه. وكان بين المحرقين اسماعيل, الذي لبى جاهلا بنيته الخبيثه.
على ان الجيش لم يظفر بقتل نمر, ولكنه احرق شندى بعد ان اخضع كل الاقليم. وبعد ذلم بنى مدينه الخرطوم سنه 1238هـ"1823م" وجعلها حاضره البلاد.
ومما تقدم نعلم ان الحمله على السودان لم تقم بتحقيق جميع الاغراض التى كان يرمي اليها محمد على: لانه لم يجد في السودان ذهباً بفى بنفقات استخراجه من مناجمه, ولان طرق القوافل لم تثمر لكثره الضرائب الفاضحه التى كانت تجبى على البضائع عند الحدود المصريه.
اما التجنيد من ابناء السودان فلم يتحقق تماماً, لانه جند منهم جيشاً عظيما, ولكن جو مصر لم يكن ملائماً لهم. فمات عدد عظيم من هذا الجيش, ولذلك خرج لزياره السودان عام 1254هـ (1838م), وامر بمنع بيع الرقيق جمله.
ولكن رغم ذلك كله بقى الاتجاربه منتشراً الى زمن قريب, ولم يضمحل تماماً بعد الاحتلال البريطانى كما سيأتى.

حروب الشام:-
لقد كان شيشيرون هو الذي وصف معاصريه بأنهم رجال ثقال graves* وقد ظهر محمد علي في عيون الأتراك على الأقل بمثل هذا الوصف تماما، فقد تحول هذا الزعيم المحلي، والشريك المفيد، إلى عبء ثقيل يشكل خطرا داهما. غير أن عينيه اللتين كانتا كالخرز لم تغمضا، فمن قصره الذي بناه حديثا في رأس التين والذي يشرف على ميناء الإسكندرية كانتا تفحصان البحر التوسط بدقة، وكانتا مدركتين دون أن تغمض لهما جفن- أن المجهودات التي بذلها نيابة عن مولاه في جزيرة، العرب وبلاد اليونان لم تعود عليه بأي فائدة، فولاؤه للسلطان قد استنزفت تماما أغراضه بشكل واضح، إلا أن اكتشاف مؤامرة دبرها السلطان لاغتياله هي التي دفعت الأمور إلى حد الصدام.
وفي عام 1831 ضرب ضربته، إذ أرسل ابنه إبراهيم (ولكن في هذه المرة عبر سيناء(إلى فلسطين حيث انضم إليه أسطول عند يافا، ونجح المصريون في اقتحام عكا والاستيلاء عليها: وكان نجاحا باهرا (إذا ما تذكرنا إخفاق نابليون في نفس الموقع) أعطى للحملة قوة دافعة جعلتها سير من نصر إلى نصر عبر الشام والأناضول، ضاربة عرض الحائط بالفرمان السلطاني المذعور الصادر في 2 مايو عام 1832 والذي يعلن أن محمد علي خارج على القانون ويقرر عزله من باشوية مصر. وقرب نهاية العام كان إبراهيم قد سحق جيشا تركيا عرمرما داخل حدود آسيا الصغرى، واحتل قونية العاصمة القديمة لسلاطين العثمانين، وحيث كانت القسطنطنية ذاتها لا تبعد سوى مائة ميل فقط.
كان محمد على قد طلب من السلطان ان يضم الشام الى مصر تحت حكماً تعريضاً له عن خسائره في حرب اليونان (حروب الموره).
ومكافأه له, ذلك ان جزيره كركيت التى أخذها محمد على في تسويات الحرب لم تكن ترضيه وتمكنه من السيطره لانها جزيره بعيده طبع اهلها على التمرد.
والحق ان تطلع محمد على لضم الشام كان اسبق من ضم السودان, بل كان سابقاً على حربه في الجزيره العربيه, ففي عام 1810م كان يفكر في مخاطبه السلطان لكي يتنازل له عن الشام, مقابل مبلغ من المال, ثم عاودته الفكره اثناء الحروب الوهابيه حين طلب من السلطان ان يعهد اليه بولايه الشام بدعوى اهميتها في إخضاع الوهابيين لكن السلطان رفض.
وقد اصبحت الفكره اكثر إلحاحاً بعد استيلاء محمد على على السوادن ووجوده في الجزيره العربيه
وبضم سوريا تقوى الجبهه في مواجهه الدوله العثمانيه.
تلك كانت الدوافع الخافيه للحرب في الشام, اما الاسباب المباشره المعلنه فكانت تتلخص في رغبه محمد على في إرجاع الفلاحين المصريين الذين هربوا من مصر الى الشام تخلصاً من الضرائب وفروا من الخدمه العسكريه (نحو سته الاف).
وقد رفض والى عكا الاستجابه لطلب محمد على في ارجاع اولئك الفلاحين بأعتبار انهم رعايا عثمانيون يحق لهم الاستقرار في اى مكتن يتبع الدوله العثمانيه.
وهنا قرر محمد على التوسع في الاراضي لاشاميه(اكتوبر 1831م). وقد حققت القوات العسكريه انتصارات متتاليه حيث دخلت عكا (مايو1832م), ودمشق (يونيه1832م) وحمص (يوليه 1832م). حتى تخطت الحدود الشماليه لسوريا ودخلت اراضي الاناضول وتمركزت في ادنه مفتاح الزحف داخل الاناضول, ثم واصلت القوات الزحف في طريق الاستانه عاصمه السلطنه.
ومثلما فعل محمد على في السودان من حيث تنظيمه على خطوط الاداره المصريه تمشيأ مع فكره المجال الحيوي, فعل الشئ نفسه في الشام التى تمثل بدورها المجال الحيوي الشمالى, فقام محمد على بالاجراءات المناسبه لتوطيد الامن وفرض النظام وإقرار سلطه الحكومه المركزيه في مصر ةإخضاع الامراء الاقطاعيين ونزع السلاح منهم وتنشيط التجاره والزراعه. وفرض نظام التجنيد.

تدخل الدول الاوربيه:-
انتهت حروب محمد على في الشام بتوسيع الدوله المصريه, حيث بسط نفوذه على الشام ودنه. وتأيد سلطانه على كريت ومعظم الجزيره العربيه والحجاز بمقتضى اتفاقيه كوتاهيه "1833م" وعند ذلك اعتزام محمد على إعلان الاستقلال التام عن السلطه العثمانيه, وصارح قناصل الدول الاوربيه بما انتوي عليه (1834م), فحذروه من الاقدام على هذه الخطوه. ثم جدد عزمه في عام 1838 بسبب دسائس السلطان ضد حكم محمد على في الشام لكن الدول الاولاوبيه لم تشجعه ايضاً.
ومن ناحيه اخرى اثارت انتصارات محمد على وتهديده للسلطان العثمانى. الدول الاوروبيه, ليس عطفاً على السلطان, إنما خشيه ازدياد نفوذ محمد على وقوته وما تمثله من خطر على التوازن الدولي- ذلك التوازن الذي عاشته اوربا منذ عام 1815م بمقتضى تسويات فيينا بعد القضاء على نابليون بونابرت.

الفصل الخامس

بداية النهاية لمحمد علي

"القوي العظمي تكبح جماح محمد علي"
المبحث الاول
معاهده بلطه ليمان
وبدأت انجلترا تعمل ضد محمد على ولا يمكن اعتبار إتفاقيه بلطه ليمان عام 1254هـ/1838م التى عقدت بين انجلترا وتركيا كانت اهم الاسباب التى ادت الى فشل الصباعه المصريه الناشئه.
ولكن الحقيقه عكس ذبك. لانه حتى عام 1254هـ/1838م لم يكن يهم انجلترا او الدول الاوروبيه منافسه الصناعه المصريه لانها كانت قد تدهورت قبل ان تبدأ المفاوضات حول الاتفاقيه ثم انهارت نهائياً بسبب نقط الضعف الكامنه في سياسه محمد على الصناعه.
وكما لاحظ د.أ.كاميرون D.A Cameron في دراسته عن محمد علي أن "إبراهيم" قد حقق المحال. وهذا تم على يد الفلاحين المصريين في قلب الشتاء على جنس مسيطر كان يحكمهم كعبيد...لقد سحق المصريون العنصر التركي في ثلاثة معارك ضاربة رغم مزاياه، لقد تغلبوا عليه في القتال، وتقدموا عليه في الزحف، وتفوقوا عليه في المناورات، وأخذوه أسير، وهذا هو اللغز الموروث في أرض مصر، فعلى طول الزمن الذي كان فيه ذلك الباشبوزق التركي يتنقل من قرية إلى قرية، يلهب ظهور الفالحين بالسياط، ويسوقهم طقطعان الأغنام ليدربهم كيف يهزمون أبناء بلدته. وبمساعدة من جانب قدر قليل من الفتية والباشوات الأتراك، وبضع مئات من صغار الضباط، تمكن محمد علي من جمع المال والرجال لكي يحقق المصريون النصر على الإمبراطورية العثمانية.
كان كل من بالمرستون Palmerston وولنجتون Wellington عازمين على منع محمد علي من الوصول إلى القسطنطنية، وعلى تجديد قوة الباب العالي (فقد كان جوهر السياسة البريطانية في ذلك الوقت هو الإبقاء على الإمبراطورية العثمانية في وجه الطموحات الروسية)، فقد كان أولهما وزير للحرب، والآخر قائدا عسكريا عندما نجحا في الإطاحة بنابليون، وكان لا يطيقان وجود أي مغامر في بلاد اليونان. وبدأ محمد علي يتعرض لضغوط لكي يسحب جيشه مقابل أن يلغي السلطان الفرمان الذي أعلن فيه خروجه على القانون وأن يصدر فرمانا جديدا (6 مايو 1833) يمنحه بمقتضاه باشوية الشام.
لقد أصبح الآن يسيطر على أراضي تمتد من أفريقيا الإستوائية حتى جبال طوروس، ولكن عن طريق البراعة- الغريبة في حد ذاتها- التي مد بها حدود ولاية مصر لتصبح إمبراطورية شاسعة قبل أن تصبح أمة مستقلة، فإنه يكون قد بالغ في مد ذراعيه عن آخرهما، وضغط على مصادر البلاد بما يفوق كل الحدود الممكنة.
فسوريا القرن التاسع عشر التي شملت: فلسطين، لبنان، دمشق، طرابلس، حلب وأطنة كانت مثل مساحة دلتا النيل خمس مرات، كما أن عناصرها السكانية المتنوعة لم تكن مثل الفلاحين سهلة الإنقياد، إنما ترفض الخضوع لأي شكل من أشكال الطغين يأتي من خارج بلادهم، خاصة تلك الأساليب القاسية شديدة الوطأة التي اتبعها إبراهيم، ويزيد على ذلك أن محمد علي كان يتجه يوما بعد يوم نحو الإعلان الصريح للاستقلال. ومن وجهة نظر السلطان كان الموقف لا يطاق كما قد تبدو لنا ثورة ايان سمث Ian Smith* في روديسيا بعد قرن ونصف بع قيامها.
كما أن بالمرستون قام في المجلس العموم بمقانة وضع محمد علي بوضع اللورد قائم قام الملك في إيرلندا الذي يحاول أن يجعل من نفسه صاحب سيادة وراثية على أيرلندا وأسكوتلندا.
أما محمد علي فقد رأى الأمور من زاوية مختلفة، فقد اشتكى للقنصل العام البريطاني أنه لن يسمح أبدا أن يترك كل شئ قام به: الترسانة، الأساطيل، المصانع بآلاتها الحديثة، العمال الذين تم تدريبهم في أوروبا، المدارس، المناجم، الطرق والترع، جميع إمبراطوريته الخاصة تضيع من بين يديه وتذهب إلى الباب العالي، بينما يصبح بقاء أسرته الحاكمة مهددا فقد كان ذعره ذعر رجل عصامي.
لكن ما أن عاد بالمرستون إلى انجلترا حتى لم يعط مخاوف محمد علي أي اعتبار. فقد كان كل اهتمامه هو الحفاظ على وحدة الإمبراطورية التركية، ولأن ذلك سيؤدي إلى قيام الصراع بينه وبين السلطان، والذي سينتهي بهزيمة الأتراك عندئذ سوف يسارع الروس لمساعدتهم وتقوم حامية روسية باحتلال القسطنطنية والدردنيل وما أن يصبحا في حوزتهم فلن يخرجوا منها أبدا( ).
المبحث الثاني
"معاهدة لندن"
أجرت بريطانيا مفاوضات مع الروسيا والنمسا وبروسيا انتهت بعقد معاهدة لندن فى 15 يوليو 1840 بين إنجلترا والروسيا والنمسا وبروسيا والدولة العثمانية وتعهدت الدول بمقتضى هذه المعاهدة بمساعدة السلطان فعلا فى إخضاع محمد على. وتضمن الملحق المرفق بالمعاهدة المسائل التى تعهد السلطان بعرضها على محمد على وهى أن يخول محمد على حكومة مصر وراثية وولاية عكا طوال حياته وأن يكون لمصر حق الإستقلال الداخلى بقيود متينة تربطها بالدولة مثل الجزية وعدم تمثيل مصر فى الخارج وتحديد الجيش والأسطول فإذا لم يقبل هذه الشروط فى عشرة أيام تنقص من حقوقه حكومة عكا ، فإذا تأخر عشرة ايام أخرى ولم يقبل ترغمه الدول بالقوة على تنفيذها وتقوم الدول بحماية السلطان وعرشه إذا ما تحركت قوات محمد على ضده.
نتائج معاهدة لندن:-
في 15 يوليه 1840م تم في لندن برعاية بالمرستون توقيع اتفاقية لندن بحضور كل من إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا والتي تضع حدا للأطماع الإمبريالية لمحمد علي. ولم توقع فرنسا على هذه الاتفاقية. وبعد عدة دسائس, قرر السلطان إصدار فرمانه الشهير في 19 أبريل 1841م والذي يبت في مصر محمد علي وممتلكاته. وفي 10 يونيه 1841م انتهى محمد علي إلى إعطاء موافقته الرسمية على فرمان إبريل حيث حضر مبعوثوا السلطان لتسليمه إليه شخصيا وفي اختفال كبير. كانت هناك صراعات وخلافات خفية من جانب وزراء الباب العالي أعداء محمد علي بخصوص وراثة محمد علي ملك مصر . وانتهت المناورات والمداوت بفضل حزم جيزو السفير الفرنسي الذي مراس ضغوطا على بالمرستون وميترنيخ وزملاءهما بأن يكون الطابع الوراثي على معظم المملكة المصرية دون قيود. وأخيرا وافقت تركيا على هذا المبدأ وكذلك القوى العظمى (الدول الكبرى), لتجنب وقوع حرب وسمحوا لفرنسا بالاشتراك ضمن الدول الموققة على الاتفاقية, على أن تبقى مصر ولاية تابعة للامبراطورية العثمانية كلنها تتمتع بحكم ذاتي. وفي المقابل تحكم أسرة محمد علي باعتراف السلطان ووالقوى العظمى مصر وتصبح في غصون ذلك دولة مستقلة حتى عام 1952م. وهو التاريخ الذي خلعت فيه ثورة 1952م آخر ملوك اسرة محمد علي وهو الملك فاروق.
وبموجب الفرمان يتم تخفيض الجيش إلى عشرة آلاف رجب ولا يحق للباشا ترقية الضباط غلا حتى رتبة كولونيل (عقيد), والبحرية التي كان يتباهى بها محمد علي لم يعد لديها أموال كافية لصيانة الأسطول القوى : وابتداء من عام 1842م تتوقف عن شكونها قوة بحرية ضاربة. ولم يعد هناك ضرورة لوجودها أو التوسع في إنشائها. وينبغي على محمد علي أن يتخلى عن غزواته: الجزيرة العربية وسوريا وكريت , وأن يتبقى له فقط السودان حيث نص فرمان 1841م على أن يديره بمعرفته. فالقوى العظمى لم تهتم به ولم تر تركيا فيه ضررا لها. ولم تظهر الأهمية الإستراتيجية للسودان في ذلك العصر: إذ كان الرأي العام العالمي يعتبر السودان كأرض يسكنها سود متخلفون وكمصدر لتوريد العبيد إلى الدول العربية المجاورة أو على الأكثر قاعدة انطلاق لاكتشاف إفريقيا الوسطى.
المبحث الثالث
فرمان 1841:-
ورغم ان معهده لندن حرمت مصر من انتصاراتها الخاريه وابقتها في حدودها قب التوسع,الا اها جعلت لمصر شخصيه دوليه,بعد ان كانت مجرد ولايه عثمانيه متميزه. فأستكمال لمعاهده لندن (1840م) قام السلطان العثماني بإصدار فرمانين في عام 1841م (براير ويوني) ربط مصر بعده قيود كما يلى:_
1. يتلقى حكام مصر من ابناء محمد على فرمان اولايه من السلطان.
2. التزام مصر بتنفيذ كافه الاتفاقيات التى يبرمها اللطان مع الدول المختلفه.
3. ان تضرب النقود في مصر بأسم السلطان, وتجبى الضرائب بأسمه ايضاً وترسل مصر له ربع إيرادات الحكومه المصريه.
4. لا يزيد عدد الجيش في وقت السلم على 18 الف جندى وليس لمصر ان تبنى سفناً حربيه الا بغذن السلطان.
ولقد كان من شأن هذا الفرمان تأخيرا استقلال مصر استقلالا نهائياً عن السلطنه, وكانت فرصه الاستقلال الفعلى مواتيه فعلا بعد انتصارات محمد على, واستر وضع مصر الدولى تجاه السلطنه طبقاً لمعاهده لندن 1840م وفرمانى 1841م الى ان تولى حكم مصر إسماعيل باشا.




تنازل محمد على الحكم:-
كيف يتحمل محمد على الضربه التى وجهت إليه؟ وكيف خرج من هذه الازمه بعد ان هوى من عليائه؟
سواء رضى محمد على او لم يرض فقد اعتزل بعد تصدع الدوله التى انشأها وللحاله التى وصلت إليها مصر بفرمان 1841م. لقد تعلم من التجربه القاسيه وهو مدرك بعجزه حيث اصبح عجوزاً فلم يعد يفكر في وضع الحدود موضع المناشقه والبحث واستقر في مكانه بمصر.
فلقد انتهى عصر الحملات والغزوات والمشروعات الطموحه. فقد تجاوز عمر محمد على الان السبعين عاماً وانهارت مقاومه الجسمانيه والمعنويه نتيجه الازمات التى مرت به عامى 1839, 1840م فلم يعد يستطيع ان يقاوم. ولم يعد يغمض له جفن وانتابته حاله شديده من الاحباط وتوارى عن اعين الناس داخل قصره ولا يستقبل سوى طبيبه الخاص كاوت بك الفرنسي. واحياناً يتغلب على التعب والاحباط ويجلس مستمتعاً برضائه عن نجاحه في تكوين اسره مصريه.
لقد كون محمد على نفسه لكنه يكتفي بتصريف الامور العاديه.
فالشيخوخه بدلا من ان تجعل منه شخصاً عدونيا وحاقداً. عملت على تهدئه مشاعره وعواطفه.
وبدأ يتقرب من انجلترا ويؤكد اهتمامه بحمايه اتصالاته الإمبراطوريه . وقد قام دوق مونبا نسييه أحد أبناء لويس فيليب ملك فرنسا بزياره شبه مليكة لمصر عقب ترقيه محمد علي إلي رتبه ضباط عظيم وحصوله علي وسام الشرف .

السنوات الاخيرة لحكم محمد علي :
هاجمت محمد علي الأزمات والمشاكل من كا جانب : فمن فقده لهيبته ونفوزه إلى تحطم آماله التوسعية في خلق إمبراطوريه إلى صعوبات ماليه . ومما لاشك فيه أن الخزانه المصريه كانت تعاني إفلاساً نتيجة الإحتياجات العسكرية والمحافظة علي جيشعلى أعلى مستوى وإنشاء بحرية ضخمة . ولأن الادارارات العسكريه أتعبته وأرهقته , فقد اندفع يبحث عن مناجم ذهب وثروات معدنيه من السودان ولكن اكتشف أن ذلك كله مجرد وهم , فلم يجد جراماً واحد من الذهب . كما ان فرمان 1841 م أثقل كاهل مصر بالجزية السنويه التي يدفعها لسلطان . فلابد من إلغاء نفقات التوظيف للنواحي الاجتماعيه : فأغلقت المستشفيات والمدارس وتم خفض أعداد الجيش والبحريه وأغلقت المدارس العسكريه وألغى بعضها.
وفي المجال الصناعي حاولت الإداره جاهد صيانه عدد من المصانع التي أنشأها محمد علي خاصة مصانع النسيج . ولكن الحماية أصبحت أقل فعالية الآن والأسواق المفضله التي كانت تابعه امصر مثل سوريا , أصبحت مفتوحة أمام المنافسه الاوربيه خاصة البريطانيه التي أغرقت الاسواق بكثرة إنتاجها . وفضلاً عن ذلك , استمر نظام الاحتكار قائما . ورغم أن معاهدة بلطة ليمان التجارية (1838 م) التي وقعت بين تركيا وإنجلترا ألغت نظام الاحتكار من الامبراطوريه العثمانيه بما فيها مصر, إلا أن محمد علي تجاهل التسويه مع تركيا . وفي نفس الوقت , قرر الباب العالي إجراء إصلاحات جذريه في الإداره العثمانيه حيث كانت الحاجه ملحه لهذه الاصلاحات منذ فتره طويله . وهذه الإصلاحات التي يطلق عليها تنظيمات لم يطبقها محمد علي .

الصراع بين محمد علي وإبنه إبراهيم:-
كان عامي 1841, 1842م من الأعوام الحزينة التني شهدتها مصر "فكانت الرائب تجبى بصعوبة والأحوال المالية تسير من سيئ إلى أسوأ, ولم يجرؤ شريف باشا أن يعترف بالحقيقة لمحمد علي وانتهى به الأمر إلى أن يعرف كل شئ وثار ثورة عارمة ضد شريف باشا واتهمه باختلاس الأموال, وأشرك معه إبنه إبراهيم واتهمه بأنه يجبر أباه على الإستقالة ليستولي على السلطة. أدرك معه إبنه إبراهيم واتهمه بأنه يجبر أباه على الإستقالة ليستولي على السلطة, أدرك نوبار السكرتير الخاص لإبراهيم سبب إحتجاجه بشدة على أبيه لأنه متأكد من براءته وكان يخشى أن يغتاله أبوه, وساد توتر عنيف بين محمد علي وإبنه الأكبر وأخذ يزداد حدة مما أتاح الفرصة للدسائس والمؤامرة أن تنتشر.
أما عباس إبن طوسون وإبن أخ إبراهيم, فهو لا يعترف بعمه كوريث طبيعي لمحمد علي وأعتبر أن الفرصة مواتية له كما كان يكن حقداً مريراً على إبراهيم. كان عباس مدللاً ودساساً وكذاباً ويشعر بالغيرة الشديدة من عمه لنجاحه في الغزوات العسكرية ولنفوذه وهيبته وصراحته القاسية, ففي الوقت الذي كان إبراهيم أكبر سناً ويمثل الجناح السائد الذي يفضل التقدم ومتابعة أعمال محمد علي مؤسس الأسرة العلوية, فإن عباس على النقيض من ذلك رجل رجعي ينبذ الإصلاحات.
وهكذا, شعر عباس بالسعادة الغامرة لرؤية عمه في حالة ضيق وحزن وأسرع إلى جده يواظب يومياً على الدس له ضد عمه, ولكن من حسن الحظ, أن محمد علي لديه من الحكمة ما يجعله يتأكد بأن إبراهيم هو الوحيد الذي يستطيع مواصلة أعماله: فلديه الكفاءة والرغبة, وتصالح الأب والإبن على غير رضا عباس, ورغم أن إبراهيم يتميز بتكوينه القوى فقد بدأ يشكو من آلام مختلفة. وفي عام 1846م. سافر إلى إيطاليا لمتابعة العلاج, ومن هناك اصطحبه سليمان باشا وتوجه إلى فرنسا حيث أستقبل إستقبالاً حافلاً في باريس في 25 مايو وقدمت له عدة أعمال صناعية وكان مبهوراً جداً, ولكن لا يهمل الإنجليز, قام إبراهيم بزيارة كذلك إلى إنجلترا.
رحلات محمد علي الأخيرة:-
كانت هذه الرحلة وبالاً, فقد عاد إبراهيم في غاية التعب وبدأ ينفث من فمه دماً وتشخيصه على أنه مصاب بداء السل, وشعر والده بالقلق الشديد عليه للحالة اغلتي وصل إليها وخشى أن يموت قبله فقرر الذهاب به إلى أستانبول لمقابة السلطان لشكره وإجراء مراسم نقل الخلافة لإبنه.
وفي حالة الإختفاء المبكر والسابق لأوانه لإبراهيم, فإن عباس هو الذي سيخلف محمد علي. وعندما يكون محمد علي بعيداً عن مصر, كان إبراهيم يتولى الأعمال نيابة عن والده, أستقبل محمد علي إستقبالا رائعا في أستانبول وقرر زيارة إنجلترا في العام الذي يليه لإجراء محادثات مع بالمرستون, ولكن تلك الرحلة لم تتم بسبب تدهور حالته الصحية.
وفي فبراير 1848م, قرر محمد علي القيام برحلة أخيرة: فقد أراد الذهاب إلى نابولي على ظهر الباخرة الفرنسية الإسكندر, غادرت الباخرة الأسكندرية في 14 فبراير بصحبة عدد ضخم من الأطباء ووصلت نابولي يوم 27 فبراير, وهناك علم بعزل لويس فيليب حيث طردته ثورة 1848م, وحزن محمد علي عليه حزناً شديداً رغم أنه لم يلتق به إطلاقاً, فقد كان يقدر دائماً موقف ملك الفرنسيين تجاهه, ويتذكر أنه بفضل جيزو إستطاع الحصول من السلطان على حق توارث السلطة في أسرة محمد علي. وعين لامارتين وزيراً للخارجية في الجمهورية الثانية وأرسل خطاباً لمحمد علي في 21 مارس يدعوه لزيارة فرنسا وحدد للزيارة مدى محددة. لاحظ محمد علي أن الخطاب يخلو من الحماسة ويختلف عن الخطاب الذي أرسل إليه منذ عامين, فقد تغير الزمن, لذا فقد فضل العودة إلى مصر في وقت مناسب, فعندما وصلت الباخرة أمام الأسكندرية في 21 أبريل, إذا بمحمد علي يدخل في غيبوبة ويفقد الوعي, وتولى إبراهيم رئاسة الحكومة نيابة عن والده. وإزاء عجز والده وغياب وعيه, فقد توسل إلى السلطان أن يقلده منصب والده ولياً على مصر, فوافق السلطان بسهولة, وقد تنبأ أحد الأطباء النمساويين أن إبراهيم سوف يموت في خلال ستة أشهر, وأثناء عودته من أستانبول إلى الأسكندرية أصيب والي مصر الجديد بحمى شديدة, وبالفعل توفى

الفصل السادس

تحليل عصــــــــــــــر محمد علي

إيجابيات محمد علي:-

1. بناء قوة عسكرية أصبحت نواة لجيش مصر الحديث.
2. تفجير ثورة تعليمية في مصر من خلال إرسال البعثات إلى الخارج وخير مثال على ذلك الشيخ رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك الذي كان رائداً في مجاله.
3. إحياء مكانة مصر مرة أخرى في العالم الإسلامي بعد حالة من السكون التعام من خلال إعادة بعض الولايات المتمردة إلى كنف الدولة العثمانية مرة أخرى مثل اليونان ومكة والمدينة.
4. بناء إقتصاد قوي قادر على المنافسة في ظل وجود القوى العظمى مثل إنجلترا وفرنسا.
5. إقامة بعض المشروعات العملاقة في ذلك الوقت مثل مشروع القناطر.

سلبيات محمد علي:-
1. القضاء على بعض قيادات الزعامة الشعبية مثل السيد عمر مكرم الذي تم نفيه إلى دمياط.
2. حلم محمد علي لم يكن حلم أمه بل كان حلم شخص.
3. إنهيار كل ما أسسه محمد علي بمجرد إجباره على قبول معاهدة لندن.
4. نظام الإحتكار صحيح أنه خدم محمد علي في تحقيق حلمه إلا أنه كان عبثاً على المصريين.
5. الأعمال الوحشية التي كان يقوم بها جيش مصر وخاصة في بلاد اليونان.
- الرأي الشخصي:
محمد علي شخصية عسكرية عبقرية من الطراز الأول فمهما كان له من مساوئ فلا يستطيع أحد أن ينكر أنه مؤسس مصر الحديثة.


فهرس
الفصل الاول
- تدرج محمد علي حتى وصوله لهدفة
- المبحث الاول :طباع محمد علي
- المبحث الثاني : كيفية انفراد محمد علي بالحكم
- المبحث الثالث :القضاء علي المماليك
- المبحث الرابع : القضاء علي الزعامة الشعبية
الفصل الثاني
- التعليم
- المبحث الاول :المدارس
- المبحث الثاني: البعثات
الفصل الثالث
- الاحتكار
- المبحث الاول : الزراعة
- المبحث الثاني : الصناعة
- المبحث الثالث : التجارة
- المبحث الرابع : مابعد الاحتكار
الفصل الرابع
- القوة العسكرية وبنائها
- المبحث الاول : إعداد الجيش
- المبحث الثاني : الحروب التي خاضها حليفاً للدولة العثمانية
- المبحث الثالث : الحروب العسكرية للإنفصال
الفصل الخامس
- بدايه النهاية لمحمد علي
- المبحث الاول : معاهدة بلطة ليمان
- المبحث الثاني : معاهدة لندن
- المبحث الثالث : فرماني 1841
الفصل السادس : تحليل لعصر محمد علي

المصدر  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More